للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ

الآية حكاية عمن تشطط من العرب بأن طلب أن ينزل ملك يصدق محمدا في نبوءته ويعلم عن الله عز وجل أنه حق، فرد الله تعالى عليهم بقوله: وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ وقال مجاهد:

معناه لقامت القيامة.

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا ضعيف، وقال قتادة والسدي وابن عباس رضي الله عنه:

في الكلام حذف تقديره ولو «أنزلنا ملكا فكذبوا به لقضي الأمر» بعذابهم ولم ينظروا حسبما سلف في كل أمة اقترحت بآية وكذبت بعد أن ظهرت إليها، وهذا قول حسن، وقالت فرقة لَقُضِيَ الْأَمْرُ أي لماتوا من هول رؤية الملك في صورته، ويؤيد هذا التأويل ما بعده من قوله: وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا فإن أهل التأويل مجمعون أن ذلك لأنهم لم يكونوا يطيقون رؤية الملك في صورته، فالأولى في قوله لَقُضِيَ الْأَمْرُ أي لماتوا من هول رؤيته، يُنْظَرُونَ معناه يؤخرون، والنظرة التأخير، وقوله عز وجل: وَلَوْ جَعَلْناهُ الآية المعنى أنّا لو جعلناه ملكا لجعلناه ولا بد في خلق رجل لأنهم لا طاقة لهم على رؤية الملك في صورته، وقاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد.

قال القاضي أبو محمد: ومما يؤيد هذا المعنى الحديث الوارد عن الرجلين اللذين صعدا على الجبل يوم بدر ليريا ما يكون في حرب النبي عليه السلام للمشركين، فسمعا حس الملائكة وقائلا يقول في السماء، أقدم حيزوم فمات أحدهما لهول ذلك، فكيف برؤية ملك في خلقته، ولا يعارض هذا برؤية النبي عليه السلام لجبريل وغيره في صورهم، لأن النبي عليه السلام أعطي قوة غير هذه كلها صلى الله عليه وسلم، وَلَلَبَسْنا أي لخلطنا عليهم ما يخلطون به على أنفسهم وعلى ضعفتهم، أي لفعلنا لهم في ذلك فعلا ملبسا يطرق لهم إلى أن يلبسوا به، وذلك لا يحسن، ويحتمل الكلام مقصدا آخر، أي «للبسنا» نحن عليهم كما «يلبسون» هم على ضعفتهم فكنا ننهاهم عن التلبيس ونفعله بهم، ويقال: لبس الرجل الأمر يلبسه لبسا إذا خلطه، وقرأ ابن محيصن: «ولبّسنا» بفتح اللام وشد الباء، وذكر بعض الناس في هذه الآية: أنها نزلت في أهل الكتاب، وسياق الكلام ومعانيه يقتضي أنها في كفار العرب.

قوله عز وجل:

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٠ الى ١١]

وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١)

قرىء «ولقد» بضم الدال مراعاة للضمة بعد الساكن الذي بعد الدال، وقرىء بكسر الدال على عرف الالتقاء، وهذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم بالأسوة في الرسل وتقوية لنفسه على محاجّة المشركين وإخبار يتضمن وعيد مكذبيه والمستهزئين، و «حاق» معناه نزل وأحاط، وهي مخصوصة في الشر، يقال حاق يحيق حيقا ومنه قول الشاعر:

فأوطأ جرد الخيل عقر ديارهم ... وحاق بهم من بأس ضبة حائق

وقال قوم: أصل حاق حق فبدلت القاف الواحدة كما بدلت النون في تظننت.

<<  <  ج: ص:  >  >>