للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، وما في قوله: ما كانُوا يصح أن تكون مع الفعل بتأويل المصدر، كأنه قال: استهزاؤهم، وهذه كناية عن العقوبة كما تهدد إنسانا فتقول سيلحقك عملك، المعنى عاقبته، وسخروا معناه استهزؤوا.

وقوله تعالى:

قُلْ سِيرُوا الآية، حض على الاعتبار بآثار من مضى ممن فعل فعلهم، وقال كانَ ولم يقل كانت لأن تأنيث العاقبة ليس بحقيقي، وهي بمعنى الآخر والمآل، ومعنى الآية سِيرُوا وتلقوا ممن سار لأن العبرة بآثار من مضى إنما يستند إلى حس العين.

قوله عز وجل:

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٢ الى ١٣]

قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٢) وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣)

قال بعض أهل التأويل: في الكلام حذف تقديره: قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ؟ فإذا تحيروا ولم يجيبوا، قل لله، وقالت فرقة: المعنى أنه أمر بهذا السؤال فكأنهم لما لم يجيبوا ولا تيقنوا سألوا فقيل له: قل لله، والصحيح أن الله عز وجل أمر محمدا عليه السلام بقطعهم بهذه الحجة الساطعة والبرهان القطعي الذي لا مدافعة فيه عندهم ولا عند أحد، ليعتقد هذا المعتقد الذي بينه وبينهم ثم يتركب احتجاجه عليه، وجاء ذلك بلفظ استفهام وتقرير في قوله: لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ والوجه في المحاجّة إذا سأل الإنسان خصمه، بأمر لا يدافعه الخصم فيه، أن يسبقه بعد التقرير إليه مبادرة إلى الحجة، كما تقول لمن تريد غلبته بآية تحتج بها عليه، كيف قال الله في كذا؟ ثم تسبقه أنت إلى الآية فتنصها عليه، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: يا أيها الكافرون العادلون بربهم لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ؟ ثم سبقهم فقال: لِلَّهِ، أي لا مدافعة في هذا عندكم ولا عند أحد، ثم ابتدأ يخبر عنه تعالى: كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ معناه قضاها وأنفذها. وفي هذا المعنى أحاديث عن النبي عليه السلام تتضمن كتب الرحمة، ومعلوم من غير ما موضع من الشريعة أن ذلك للمؤمنين في الآخرة ولجميع الناس في الدنيا، منها أن الله تعالى خلق مائة رحمة فوضع منها واحدة في الأرض فيها تتعاطف البهائم وترفع الفرس رجلها لئلا تطأ ولدها. وبها تتعاطف الطير والحيتان، وعنده تسع وتسعون رحمة، فإذا كان يوم القيامة صير تلك الرحمة مع التسعة والتسعين وبثها في عباده.

قال القاضي أبو محمد: فما أشقى من لم تسعه هذه الرحمات تغمدنا الله بفضل منه، ومنها حديث آخر أن الله عز وجل كتب عنده كتابا فهو عنده فوق العرش أن رحمتي سبقت غضبي، ويروى: نالت غضبي، ومعناه سبقت، وأنشد عليه ثابت بن قاسم:

<<  <  ج: ص:  >  >>