للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَعَلُوا بمعنى صيروا، والْجِنَّ مفعول وشُرَكاءَ مفعول ثان مقدم، ويصح أن يكون قوله شُرَكاءَ مفعولا أولا ولِلَّهِ في موضع المفعول الثاني والْجِنَّ بدل من قوله شُرَكاءَ، وهذه الآية مشيرة إلى العادلين بالله والقائلين إن الجن تعلم الغيب العابدين للجن، وكانت طوائف من العرب تفعل ذلك وتستجير بجن الأودية في أسفارها ونحو هذا، أما الذين «خرقوا البنين» فاليهود في ذكر عزير والنصارى في ذكر المسيح، وأما ذاكرو البنات فالعرب الذين قالوا للملائكة بنات الله، فكأن الضمير في جَعَلُوا وخَرَقُوا لجميع الكفار إذ فعل بعضهم هذا، وبنحو هذا فسر السدي وابن زيد، وقرأ شعيب بن أبي حمزة «شركاء الجنّ» بخفض النون، وقرأ يزيد بن قطيب وأبو حيوة «الجن والجن» بالخفض والرفع على تقديرهم الجن، وقرأ الجمهور «وخلقهم» بفتح اللام على معنى وهو خلقهم، وفي مصحف عبد الله بن مسعود «وهو خلقهم» يحتمل العودة على الجاعلين ويحتملها على المجعولين، وقرأ يحيى بن يعمر «وخلقهم» بسكون اللام عطفا على الجن أي جعلوا خلقهم الذي ينحتونه أصناما شركاء بالله، وقرأ السبعة سوى نافع «وخرقوا» بتخفيف للراء وهو بمعنى اختلفوا وافتروا وقرأ نافع «وخرّقوا» بتشديد الراء على المبالغة، وقرأ ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما «وحرّفوا» من التحريف كذا قال أبو الفتح، قال أبو عمرو الداني قرأ ابن عباس «حرفوا» خفيفة الراء، وابن عمر «حرّفوا» مشددة الراء، وقوله بِغَيْرِ عِلْمٍ نص على قبح تقحمهم المجهلة وافترائهم الباطل على عمى، سُبْحانَهُ أي تنزه عن وصفهم الفاسد المستحيل عليه تبارك وتعالى وبَدِيعُ بمعنى: مبدع ومخترع وخالق، فهو بناء اسم فاعل كما جاء: سميع بمعنى مسمع وأَنَّى بمعنى كيف ومن أين، فهي استفهام في معنى التوقيف والتقرير، وقرأ جمهور الناس «ولم تكن» بالتاء على تأنيث علامة الفعل، وقرأ إبراهيم النخعي: بالياء على تذكيرها وتذكير كان وأخواتها مع تأنيث اسمها أسهل من ذلك في سائر الأفعال، فقولك: كان في الدار هند أسوغ من قام في الدار هند، وحسن القراءة الفصل بالظرف الذي هو الخبر ويتجه في القراءة المذكورة أن يكون في تَكُنْ ضمير اسم الله تعالى، وتكون الجملة التي هي لَهُ صاحِبَةٌ خبر كان، ويتجه أن يكون في «يكن» ضمير أمر وشأن وتكون الجملة بعد تفسيرا له وخبرا، وهذه الآية رد على الكفار بقياس الغائب على الشاهد، وقوله وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ لفظ عام لكل ما يجوز أن يدخل تحته ولا يجوز أن يدخل تحته صفات الله تعالى وكلامه، فليس هو عموما مخصصا على ما ذهب إليه قوم لأن العموم المخصص هو أن يتناول العموم شيئا ثم يخرجه التخصيص، وهذا لم يتناول قط هذه التي ذكرناها، وإنما هذا بمنزلة قول الإنسان: قتلت كل فارس وأفحمت كل خصم فلم يدخل القائل قط في هذا العموم الظاهر من لفظه، وأما قوله وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فهذا عموم على الإطلاق ولأن الله عز وجل يعلم كل شيء لا رب غيره ولا معبود سواه، ولما تقررت الحجج وبانت الوحدانية جاء قوله تعالى: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ الآية تتضمن تقريرا وحكما إخلاصا أمرا بالعبادة وإعلاما بأنه حفيظ رقيب على كل فعل وقول وفي هذا الإعلام تخويف وتحذير.

<<  <  ج: ص:  >  >>