للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عمرو: وقراءة الحسن إنما هي «لتصغي» بكسر الغين، وقراءة إبراهيم النخعي «لتصغي» بضم التاء وكسر الغين من أصغى يصغي، وكذلك قرأ الجراح بن عبد الله، وقوله تعالى: أَفَغَيْرَ نصب ب أَبْتَغِي، وحَكَماً نصب على البيان، والتمييز، ومُفَصَّلًا معناه مزال الإشكال قد فصلت آياته، وإن كان معناها يعم في أن الله لا يبتغى سواه حكما في كل شيء وفي كل قضية فإنّا نحتاج في وصف الكلام واتساق المعاني أن ننظر إلى قضية فيما تقدم تكون سببا إلى قوله أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً فهي والله أعلم حكمه عليهم بأنهم لا يؤمنون ولو بعث إليهم كل الآيات. وحكمه بأن جعل الأنبياء أعداء من الجن والإنس، وحَكَماً أبلغ من حاكم إذ هي صيغة للعدل من الحكام والحاكم جار على الفعل فقد يقال للجائر، وحَكَماً نصب على البيان أو الحال، وبهذه الآية خاصمت الخوارج عليا رضي الله عنه في تكفيره بالتحكيم، ولا حجة لها لأن الله تعالى حكم في الصيد وبين الزوجين فتحكيم المؤمنين من حكمه تعالى.

وقوله تعالى: وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ.

يتضمن الإشهاد بمؤمنيهم والطعن والتنبيه على مشركيهم وحسدتهم، وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم «منزّل» بالتشديد، والباقون بالتخفيف، «والكتاب» أولا هو القرآن، وثانيا اسم جنس التوراة والإنجيل والزبور والصحف، ووصفه أهل الكتاب بالعلم عموم بمعنى الخصوص وإنما يريد علماءهم وأحبارهم، وقوله فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ تثبيت ومبالغة وطعن على الممترين.

قوله عز وجل:

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١١٥ الى ١١٧]

وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (١١٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١١٧)

تَمَّتْ في هذا الموضع بمعنى استمرت وصحت في الأزل صدقا وعدلا، وليس بتمام من نقص، ومثله ما وقع في كتاب السيرة من قولهم وتم حمزة على إسلامه في الحديث مع أبي جهل، و «الكلمات» ما نزل على عباده، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «كلمة» بالإفراد هنا وفي يونس في الموضعين وفي حم المؤمن. وقرأ نافع وابن عامر جميع ذلك «كلمات» بالجمع. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو هنا فقط «كلمات» بالجمع، وذهب الطبري إلى أنه القرآن كما يقال كلمة فلان في قصيدة الشعر والخطبة البليغة.

قال القاضي أبو محمد: وهذا عندي بعيد معترض، وإنما القصد العبارة عن نفوذ قوله تعالى:

صِدْقاً فيما تضمنه من خبر وَعَدْلًا فيما تضمنه من حكم، وهما مصدران في موضع الحال، قال الطبري نصبا على التمييز وهذا غير صواب، ولا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ معناه في معانيها بأن يبين أحد أن خبره بخلاف ما أخبر به أو يبين أن أمره لا ينفذ، والمثال من هذا أن الله تعالى قال لنبيه عليه السلام فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ [التوبة ٨٣] إلى الخالفين، فقال المنافقون بعد ذلك للنبي عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>