للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفعلين وقرأ نافع وحفص عن عاصم «وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم» على بناء الفعل للفاعل في الفعلين، وقرأ أبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي «وقد فصّل» على بناء الفعل إلى المفعول، وقرأ عطية العوفي «وقد فصل» على بناء الفعل للفاعل وفتح الصاد وتخفيفها، «ما حرّم» على بناء الفعل للمفعول، والمعنى قد فصل الحرام من الحلال وانتزعه بالنبيين، وما في قوله إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ يريد بها من جميع ما حرم كالميتة وغيرها، وهي في موضع نصب بالاستثناء والاستثناء منقطع، وقوله تعالى وَإِنَّ كَثِيراً يريد الكفرة المحادين المجادلين في المطاعم بما ذكرناه من قولهم: تأكلون ما تذبحون ولا تأكلون ما ذبح الله، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «ليضلون» بفتح الياء على معنى إسناد الضلال إليهم في هذه السورة وفي يونس رَبَّنا لِيُضِلُّوا [الآية: ٨٨] وفي سورة إبراهيم أَنْداداً لِيُضِلُّوا [الآية: ٣٠] وفي الحج ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ [الآية: ٩] وفي لقمان لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ [الآية: ٦] وفي الزمر أَنْداداً لِيُضِلَّ [الزمر: ٨] .

وقرأ نافع وابن عامر كذلك في هذه وفي يونس وفي الأربعة التي بعد هذه يضمان الياء على معنى إسناد إضلال غيرهم إليهم، وهذه أبلغ في ذمهم لأن كل مضل ضال وليس كل ضال مضلا، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي في المواضع الستة «ليضلون» بضم الياء على معنى إسناد إضلال غيرهم إليهم، ثم بين عز وجل في ضلالهم أنه على أقبح الوجوه وأنه بالهوى لا بالنظر والتأمل، وبِغَيْرِ عِلْمٍ معناه في غير نظر فإن لمن يضل بنظر ما بعض عذر لا ينفع في أنه اجتهد، ثم توعدهم تعالى بقوله: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ.

قوله عز وجل:

[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٢٠]]

وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠)

هذا نهي عام من طرفيه لأن الْإِثْمِ يعم الأحكام والنسب اللاحقة للعصاة عن جميع المعاصي، والظاهر والباطن يستوفيان جميع المعاصي، وقد ذهب المتأونون إلى أن الآية من ذلك في مخصص، فقال السدي: ظاهره الزنا الشهير الذي كانت العرب تفعله، وباطنه اتخاذ الأخدان، وقال سعيد بن جبير: الظاهر ما نص الله على تحريمه من النساء بقوله حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ [النساء: ٢٣] ، وقوله وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ [النساء: ٢٢] ، والباطن الزنا، وقال ابن زيد: الظاهر التعري والباطن الزنا.

قال القاضي أبو محمد: يريد التعري الذي كانت العرب تفعله في طوافها، قال قوم: الظاهر الأعمال والباطن المعتقد.

قال القاضي أبو محمد: وهذا حسن لأنه عاد ثم توعد تعالى كسبة الإثم بالمجازاة على ما اكتسبوه من ذلك وتحملوا ثقله، و «الاقتراف» الاكتساب.

قوله عز وجل:

<<  <  ج: ص:  >  >>