للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٢٨ الى ١٢٩]

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٢٨) وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩)

يَوْمَ نصب بفعل مضمر تقديره واذكر يوم، ويحتمل أن يكون العامل وَلِيُّهُمْ [الأنعام: ١٢٧] والعطف على موضع قوله بِما كانُوا [الأنعام: ١٢٧] ، والضمير في يَحْشُرُهُمْ عائد على الطائفتين الذين يجعل الله الرجس عليهم وهم جميع الكفار جنا وإنسا، والذين لهم دار السلام جنا، وإنسا، ويدل على ذلك التأكيد العام بقوله جَمِيعاً.

وقرأ حفص عن عاصم «يحشرهم» بالياء، وقرأ الباقون بالنون وكلّ متجه، ثم ذكر عز وجل ما يقال للجن الكفرة، وفي الكلام فعل مضمر يدل عليه ظاهر الكلام تقديره نقول يا معشر الجن، وقوله قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ معناه فرطتم، ومِنَ الْإِنْسِ يريد في إضلالهم وإغوائهم قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة، وقال الكفار من الإنس وهم أولياء الجن الموبخين على جهة الاعتذار عن الجن رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ أي انتفع.

قال القاضي أبو محمد: وذلك في وجوه كثيرة، حكى الطبري وغيره أن الإنس كانت تستعيذ بالجن في الأودية ومواضع الخوف وكانت الجن تتعظم على الإنس وتسودها كما يفعل الربي بالكاهن والمجير بالمستجير إذ كان العربي إذا نزل واديا ينادي يا رب الوادي إني أستجير بك هذه الليلة ثم يرى أن سلامته إنما هي بحفظ جني ذلك الوادي فهذا استمتاع بعضهم ببعض.

قال القاضي أبو محمد: وهذا مثال في الاستمتاع ولو تتبع لبينت له وجوه أخر كلها دنياوية، وبلوغ الأجل المؤجل قال السدي هو الموت الذي انتهى الكل منهم إليه، وقيل هو الحشر، وقيل هو الغاية التي انتهى جميعهم إليها من الاستمتاع، كأنهم أشاروا إلى أن ذلك بقدرك وقضائك إذ لكل كتاب أجل، وقرأ الحسن «وبلّغنا أجلنا» بكسر اللام مشددة، وقوله تعالى: قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ الآية، إخبار من الله عز وجل عما يقول لهم يوم القيامة إثر كلامهم المتقدم، وجاء الفعل بلفظ الماضي وهو في الحقيقة مستقبل لصحة وقوعه، وهذا كثير في القرآن وفصيح الكلام ومَثْواكُمْ أي موضع ثوابكم كمقامكم الذي هو موضع الإقامة، هذا قول الزجّاج وغيره، قال أبو علي في الإغفال: المثوى عندي مصدر لا موضع وذلك لعمله في الحال التي هي خالِدِينَ والموضع ليس فيه معنى فعل فيكون عاملا، والتقدير النار ذات ثوابكم، والاستثناء في قوله إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ قالت فرقة ما بمعنى من، فالمراد إلا من شاء ممن آمن في الدنيا بعد أن آمن من هؤلاء الكفرة.

قال القاضي أبو محمد: ولما كان هؤلاء صنفا ساغت في العبارة عنهم ما، وقال الفراء إِلَّا بمعنى سوى، والمراد سوى ما يشاء من زيادة في العذاب، ونحا إليه الزجّاج، وقال الطبري: إن المستثنى هي المدة التي بين حشرهم إلى دخولهم النار.

قال القاضي أبو محمد: وساغ هذا من حيث العبارة بقوله النَّارُ مَثْواكُمْ لا تخص بصيغتها مستقبل الزمان دون غيره، وقال الطبري عن ابن عباس انه كان يتناول في هذا الاستثناء أنه مبلغ حال هؤلاء في علم

<<  <  ج: ص:  >  >>