للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف وقيل عبر عن إرادة الإهلاك بالإهلاك، قال مكي في المشكل:

مثل قوله فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ [النحل: ٩٨] .

قال القاضي أبو محمد: وهذا يحتج به في تأويل من قال الفاء في هذه الآية لتعقيب القول، وقيل المعنى «أهلكناها» بالخذلان وقلة التوفيق فجاءها بأسنا بعد ذلك، وقال الفراء وحكاه الطبري أن الإهلاك هو مجيء البأس ومجيء البأس هو الإهلاك فلما تلازما لم يبال أيهما قدم في الرتبة، وقيل إن الفاء لترتيب القول فقط فكأنه أخبر عن قرى كثيرة أنه أهلكها ثم قال فكان من أمرها مجيء البأس.

وبَياتاً نصب على المصدر في موضع الحال، وقائِلُونَ من القائلة، وإنما خص وقتي الدعة والسكون لأن مجيء العذاب فيهما أفظع وأهول لما فيه من البغت والفجأة، وأَوْ في هذا الموضع كما تقول: الناس في فلان صنفان حامد أو ذام، فكأنه قال جاءهم بأسنا فرقتين بائتين أو قائلين، وهذا هو الذي يسمى اللف، وهو إجمال في اللفظ يفرقه ذهن المخاطب دون كلفة، والبأس: العذاب، وقيل: المراد أو وهم قائلون فكره اجتماع حرفي العطف فحذفت الواو وهذا تكلف لأن معنى اللف باق.

وقوله تعالى: فَما كانَ دَعْواهُمْ الآية، تبين في هذه الآية غاية البيان أن المراد في الآية قبلها أهل القرى، والدعوى في كلام العرب لمعنيين، أحدهما الدعاء قال الخليل: تقول اللهم أشركنا في صالح دعوى المسلمين ومنه قول عز وجل: فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ [الأنبياء: ١٥] .

ومنه قول الشاعر [الطويل]

وإن مذلت رجلي دعوتك أشتفي ... بدعواك من مذل بها فيهون

والثاني الادعاء، فقال الطبري: هي في هذا الموضع يعني الدعاء.

قال القاضي أبو محمد: ويتوجه أن يكون أيضا بمعنى الادعاء، لأن من ناله مكروه أو حزبه حادث فمن شأنه أن يدعو كما ذهب إليه المفسرون في فعل هؤلاء المذكورين في هذه الآية، ومن شأنه أيضا أن يدعي معاذير وأشياء تحسن حاله وتقيم حجته في زعمه، فيتجه أن يكون هؤلاء بحال من يدعي معاذير ونحوها، فأخبر الله عنهم أنهم لم تكن لهم دعوى ثم استثنى من غير الأول، كأنه قال لم يكن دعاء أو ادعاء إلا الإقرار والاعتراف، أي هذا كان بدل الدعاء أو الادعاء، وتحتمل الآية أن يكون المعنى فما آلت دعواهم التي كانت في حال كفرهم إلا إلى اعتراف، ونحو من الآية قول الشاعر: [الفرزدق]

وقد شهدت قيس فما كان نصرها ... قتيبة إلا عضها بالأباهم

واعترافهم وقولهم إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ هو في المدة بين ظهور العذاب إلى إتيانه على أنفسهم، وفي ذلك مهلة بحسب نوع العذاب تتسع لهذه المقالة وغيرها، وروى ابن مسعود عن النبي عليه السلام أنه قال «ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم» . وفسر عبد الملك بن ميسرة هذا الحديث بهذه الآية. ودَعْواهُمْ خبر كان، واسمها إِلَّا أَنْ قالُوا وقيل بالعكس.

وقوله تعالى: فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ الآية وعيد من الله عز وجل لجميع العالم، أخبر أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>