للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما إنْ رَأَيْتُ ولا سَمعتُ بِهِ ... كاليوم طالى أينق جرب «١»

فجمع بين ما، وبين إن، وهما جحدان أحدهما يجزي من الآخر.

وأمّا الوجه الآخر، فإن المعنى لو أفرد بما لكان كأنّ المنطق فِي نفسه حق لا كذب: ولم يُرَد بِهِ ذَلِكَ. إنَّما أرادوا أَنَّهُ لحق كما حقٌّ أن الآدمي ناطق.

ألا ترى أن قولك أحقٌّ منطقك معناه: أحقٌّ هُوَ أم كذب؟ وأن قولك: أحقّ أنك تنطق؟ معناه: أللانسان «٢» النطق لا لغيره. فأدخلتَ أنَّ ليُفرَق بها بين المعنيين، وهذا أعجب الوجهين إليَّ.

وَقَدْ رفع عاصم والأعمش (مثلَ) ونصبها أهل الحجاز والحسن «٣» ، فمن رفعها جعلها نعتا للحق ومن نصبها جعلها فِي مذهب المصدر كقولك: إنه لحق حقا. وإن العرب لتنصبها إِذَا رفع بها الاسم فيقولون: مثلَ من عبد الله؟ ويقولون: عبد الله [١٨٥/ ا] مثلَك، وأنت مثلَه. وعلة النصب فيها أن الكاف قَدْ تكون داخلة عليها فتُنصب إِذَا ألقيت الكاف. فإن قَالَ قائل: أفيجوز أن تَقُولُ: زيدٌ الأسدَ شدةً، فتنصب الأسد إِذَا ألقيت الكاف؟ قلت: لا وذلك أن مثلَ تؤدى عَنِ الكاف والأسدُ لا يؤدي عَنْهَا ألا ترى قول الشَّاعِر:

وزعتُ بكالهراوة أعوجِيٍّ ... إِذَا وَنتِ الرِّكاب جرى وثابا «٤»

أن الكاف قَدْ أجزأت من مثل، وأن العرب تجمع بينهما فيقولون: زَيْد كمثلك، وقال اللَّه جل وعز: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ «٥» وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» «٦» ، واجتماعهما دليل عَلَى أن معناهما واحد كما أخبرتك فى ما وإن ولا وغيره.


(١) الأغانى فى ترجمة الخنساء، وانظر شرح شواهد المعنى، وفيه:
(بمثله) بدل (به) ، و (هانى) بدل (طالى) وهو لدريد بن الصمة يصف الخنساء، وقد رآها تهنأ بعيرا أجرب.
(شرح شواهد المغني ٢/ ٩٥٥) .
(٢) فى ش: الإنسان.
(٣) قرأ أبو بكر، وحمزة، والكسائي، وخلف بالرفع صفة لحق، وافقهم الأعمش (الاتحاف ٣٩٩) ، والباقون- باقى السعة- والجمهور بالنصب. (البحر المحيط: ٨/ ١٣٦) .
(٤) وزعت: كففت، أعوجى: منسوب إلى أعوج، وهو فرس كريم تنسب إليه الخيل الكرام. اللسان (ثوب) وسر صناعة الإعراب: ٢٨٧.
(٥) فى ش: كمثله وهو، سقط.
(٦) سورة الشورى الآية: ١١.