للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ قال تبارك وتعالى فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ أي فليكن رَجُل وامرأتان فرفع بالرد على الكون. وإن شئت قلت: فهو رَجُل وامرأتان.

ولو كانا نصبا أي فإن لم يكونا رجلين فاستشهدوا رجلا وامرأتين «١» . وأكثر ما أتى فِي القرآن من هذا بالرفع، فجرى هذا معه.

وقوله مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما بفتح أن، وتكسر. فمن كسرها «٢» نوى بها الابتداء فجعلها منقطعة مما قبلها. ومن فتحها فهو أيضا على سبيل الجزاء إلا أنه نوى أن يكون «٣» فِيهِ تقديم وتأخير. فصار الجزاء وجوابه كالكلمة الواحدة. ومعناه- والله أعلم- استشهدوا امرأتين مكان الرجل كيما تذكر الذاكرة الناسية إن نسيت فلما تقدم الجزاء اتصل بما قبله، وصار جوابه مردودا عليه.

ومثله فِي الكلام قولك: (إنه ليعجبني أن يسأل السائل فيعطي) فالذي يعجبك الإعطاء إن يسأل، ولا يعجبك المسألة ولا الافتقار. ومثله: استظهرت بخمسة إجمال أن يسقط مُسْلِم فأحمله، إنما استظهرت بها لتحمل الساقط، لا لأن يسقط مُسْلِم. فهذا دليل على التقديم والتأخير.

ومثله فِي كتاب اللَّه وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا «٤» ألا ترى أن المعنى: لولا أن يقولوا إن أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم: هلا أرسلت إلينا رسولا. فهذا مذهب بيّن.


(١) الجواب محذوف، أي لجاز، مثلا.
(٢) وهو حمزة. وفى هذه القراءة «فتذكر» بالرفع على الاستئناف.
(٣) وذلك أن الفتح على تقدير (لأن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) والأصل فى هذا:
لأن تذكر إحداهما الأخرى إن تضل.
(٤) آية ٤٧ سورة القصص.