للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله (ثم اتخذوا «١» العجل) ليس بمردود على قوله (فأخذتهم الصاعقة) ثُمَّ اتخذوا هَذَا مردود عَلَى فعلهم الأول. وفيه وجه آخر: أن تجعل (ثم) خبرًا مستأنفًا. وقد تستأنف العرب بثم والفعل الَّذِي بعدها قد مضى قبل الفعل الأول من ذَلِكَ أن تَقُولُ للرجل: قد أعطيتك ألفًا ثُمَّ أعطيتك قبل ذَلِكَ مالا فتكون (ثُمَّ) عطفًا عَلَى خبر المخبر كأنه قَالَ: أخبرك أني زرتك اليوم، ثُمَّ أخبرك أني زرتك أمس.

وأمّا قول الله عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَكُمْ «٢» مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها فإن فِيهِ هَذَا الوجه لئلا يقول القائل: كيف قَالَ: خلقكم ثُمَّ جعل منها زوجها والزوج مخلوق «٣» قبل الولد؟ فهذا الوجه المفسّر يدخل فِيهِ هَذَا المعنى. وإن شئت جعلت (ثم) مردودة عَلَى الواحدة أراد- والله أعلم- خلقكم من نفسٍ وحدها ثُمَّ جعل منها زوجها، فيكون (ثم) بعد خلقه آدم وَحده. فهذا ما فِي ثُمَّ. وخِلْقةُ ثُمَّ أن يكون آخِر. وكذلك الفاء. فأما الواو فإنك إنّ شئت جعلت الآخر هو الأوّل والأوّل الآخر. فإذا قلت: زرت عبد الله وزيدًا، فأيّهما شئت كان هو المبتدأ بالزيادة، وَإِذَا قلت: زرت عبد الله ثُمَّ زيدًا، أو زرت عبد الله فزيدًا كَانَ الأوّل قبل الآخِر، إلا أن تريد بالآخر أن يكون مردودًا عَلَى خبر المخبر فتجعله أوّلا.


(١) يريد قوله تعالى فى الآية ١٥٣ من سورة النساء: (يسئلك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات) فإن ظاهر الآية أن اتخاذ العجل بعد أن أخذتهم الصاعقة لسؤال الرؤية، والواقع أن اتخاذ العجل سابق على هذا. فعنى المؤلف بتأويل الظاهر.
(٢) آية ٦ سورة الزمر.
(٣) الأولى: مخلوقة فإن المراد بالزوج حوّاء.