للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً (٢٨) يعني فقرًا. وَذَلِكَ لَمَّا نزلت: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا خاف أهل مكة أن تنقطع عنهم الميرة والتجارة. فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً. فذكروا أن تَبَالة «١» وجُرش أخصبتا، فأغناهم الله بِهما وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.

وقوله: وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ (٣٠) قرأها الثقات «٢» بالتنوين وبطرح التنوين. والوجه أن ينوّن لأن الكلام ناقص (وابن) فِي موضع خبر لعزير. فوجه العمل فِي ذَلِكَ أن تنوِّن ما رأيت الكلام محتاجًا إلى ابن. فإذا اكتفى دون بن، فوجه الكلام ألا ينون. وَذَلِكَ مع ظهور اسم أبي الرجل أو كنيته. فإذا جاوزت ذَلِكَ فأضفت (ابن) إلى مكنى عَنْهُ مثل ابنك، وابنه، أو قلت: ابن الرجل، أو ابن الصالِح، أدخلت النون فِي التام منه والناقص. وَذَلِكَ أن حذف النون إِنّما كَانَ فِي الموضع الَّذِي يُجرى فِي الكلام كثيرًا، فيستخفّ طرحها فِي الموضع الَّذِي يستعمل. وقد ترى الرجل يذكر بالنسب إلى أبيه كثيرًا فيقال:

من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان، فلا يجري كثيرًا بغير ذَلِكَ. وربما حذفت النون وإن لَمْ يتمم الكلام لسكون الباء من ابن، ويستثقل النون إذ كانت ساكنة لقيت ساكنًا، فحذفت استثقالا لتحريكها. قَالَ: من ذلك قراءة القرّاء:

(عزيز ابن الله) . وأنشدني بعضهم:

لَتجِدّني بالأميرِ بَرّا ... وَبالقناة مِدْعَسا مكرّا «٣»

إذا غطيف السلمىّ فرّا


(١) تبالة: بلدة من أرض تهامة فى طريق اليمن. وجرش مخلاف أي إقليم من مخاليف اليمن.
(٢) قرأ بالتنوين من العشرة عاصم والكسائي ويعقوب، وقرأ الباقون بطرح التنوين.
(٣) المدعس: المطاعن. والمكر: الذي يكر فى الحرب ولا يفر.