للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقلت له لا تبك عينك إما ... نُحاولُ مُلْكًا أَوْ نَموتَ فَنُعْذرا

فنصب آخره ورفع (نُحاول) عَلَى معنى إِلا أو حَتَّى. وَفِي إحدى القراءتين: (تُقَاتِلُونَهُمْ «١» أَوْ يُسْلِمُوا) والمعنى- والله أعلم- تقاتلونَهم حَتَّى يُسلموا. وقال الشاعر «٢» :

لا أستطيعُ نُزوعًا عَن مودّتها ... أَوْ يصنعَ الحبُّ بي غير الَّذِي صَنَعا

وأنت قائل فِي الكلام: لست لأبي إن لَمْ أقتلك أو تسبقَْني فِي الأرض فتنصب (تسبقني) وتجزمها. كأنّ الجزم فِي جوازه: لستُ لأبي إن لَمْ يَكن أحدُ هذين، والنصبُ عَلَى أنّ آخره منقطع عَن أوله كما قالوا: لا يسعُني شيء ويَضيقَ عنك، فلم يَصْلُح أن تردّ (لا) عَلَى (ويضيق) فعلم أنها منقطعة من معناها. كذلك قولُ العرب: لو تُرِكْتَ وَالأسَدَ لأكلك لَمَّا جاءت الواو ترُدُّ اسمًا عَلَى اسم قبله، وقبح أن تردّ الفعل الَّذِي رَفَع الأوّل عَلَى الثاني نصب ألا ترى أنك لا تَقُولُ لو تُركت وتُرك الأسدُ لأكلك. فمِن هاهنا أتاهُ النصب. وجاز الرفع لأن الواو حرف نَسَق معروف فجاز فِيهِ الوجهان للعلتين.

وقوله: ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي [١٤] معناهُ: ذَلِكَ لمن خاف مقامه بين يَدَيّ ومثله قوله:

(وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ «٣» ) معناهُ: رزقي إِيَّاكُم أنكم تكذِّبُون والعرب تُضيف أفعالها إلى أنفسها وإلى ما أوقعت عَلَيْهِ، فيقولون: قد ندمت عَلَى ضربي إيّاك وندمت عَلَى ضربك فهذا من ذَلِكَ وَاللَّهُ أعلم.

وقوله: وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ [١٧] فهو يُسيغه. والعربُ قد تجعل (لا يَكادُ) فيما قد فُعل وفيما لَمْ يُفعل. فأمَّا ما قد فُعِل فهو بَيّن هنا من ذَلِكَ لأن الله عَزَّ وَجَلَّ يقول لَمَّا جعله لهم طعاما


(١) الآية ١٦ سورة الفتح. وهذه القراءة فى قراءة أبى وزيد بن على كما فى البحر ٨/ ٩٤. وهى من القراءات الشاذة.
(٢) هو الأحوص.
(٣) الآية ٨٢ سورة الواقعة.