للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهما ترفعانِ ما بعدهما.

وأمّا الاستفهام فقوله: (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ) وقوله (لَوْلا أَخَّرْتَنِي «١» إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) وَالمعنى- وَاللهُ أعلم-: هلّا أَخَّرْتني.

وقد استعملت العرب (لولا) فى الخبر وكثربها الكلام حَتَّى استجازوا أن يقولوا: لولاك ولولاي، والمعنى فيهما كالمعنى فِي قولك: لولا أنا ولولا أنت فقد توضع الكاف عَلَى أنها خفض والرفع فيها الصواب. وَذَلِكَ أنا لَمْ نَجد فيها حرفًا ظاهرًا خُفِض، فلو كَانَ مِمّا يخفض لأوشكت أن ترى ذَلِكَ فِي الشعر فإنه الَّذِي يأتي بالمستجاز: وإنّما دعاهم إلى أن يقولوا: لولاك فِي موضع الرفع لأنهم يجدونَ المكنّى يستوي لفظه فِي الخفض والنصب، فيقال: ضربتك ومررت بك ويَجدونه يستوي أيضًا فِي الرفع والنصب والخفض، فيقال ضربنا ومريّنا، فيكون الخفض والنصب بالنون ثُمَّ يُقال قمنا ففعلنا فيكون الرفع بالنون. فلمّا كَانَ ذَلِكَ استجازوا أن يكون الكاف فِي موضع (أنت) رفعًا إذْ كَانَ إعراب المكنّى بالدلالات لا بالحركات.

قَالَ الشاعر:

أيطمعُ فينا مَنْ أراقَ دماءَنا ... وَلَوْلاكَ لَمْ يعرض لأحسابنا حَسَمْ

وقال آخر:

وَمنزلةٍ لولَايَ طِحْتَ كَمَا هَوَى ... بِأَجْرامِهِ مِنْ قُلَّةِ النِّيق مُنْهوِي «٢»

وقوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [٩] يُقال: إنَّ الْهَاء التي فِي (لَهُ) يُراد بِهَا القرآن (حافِظُونَ) أي راعون: ويُقال: إن الْهَاء لِمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وإنا لمحمد لحافظون.

وقوله: كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ [١٢] الْهَاء فِي (نَسْلُكُهُ) للتكذيب أي كذلك نسلك التكذيب. يقول: نجعله فِي قلوبِهم ألَّا يؤمنوا.


(١) الآية ١٠ سورة المنافقين.
(٢) من قصيدة ليزيد بن الحكم الثقفي يعاتب فيها ابن عمه عبد الرحمن بن عثمان. وانظر كتاب سيبويه ١/ ٣٨٨.