للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ) كَانَ الشريف من قريش يقول: قد أسلم هَذَا من قبلي- لمن هُوَ دونه- أفأسْلم بعده فتكون لَهُ السابقة فذلك افتتان بعضهم ببعض. قال الله (أَتَصْبِرُونَ) قَالَ الفراء يقول: هُوَ هَذَا الَّذِي ترون.

وقوله: لا يَرْجُونَ لِقاءَنا [٢١] .

لا يَخافونَ لقاءنا وهي لغة تِهامية: يضعونَ الرجاء فِي موضع الخوف إِذَا كَان معه جحد «١» . من ذَلِكَ قول الله (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ «٢» لِلَّهِ وَقاراً) أي لا تخافون له عظمة. وأنشدنى بعضهم:

لا ترتجِي حِينَ تلاقي الذائدا ... أسَبْعَةً لاقَتْ مَعًا أم وَاحِدَا «٣»

يريد: لا تَخاف ولا تبالي. وقال لآخر:

إِذَا لسعته النحل لَمْ يَرْج لَسْعَهَا ... وحَالَفَها فِي بيتِ نُوب عَوَامِلِ «٤»

يُقال: نَوْب «٥» ونُوب. ويُقال: أَوْب وأُوب من الرجوع قَالَ الفراء: والنُّوب ذكر النحل.

وقوله (وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) جاء الْعُتُوُّ بالواو لأنه مصدر مصرح. وقال فِي مريم (أَيُّهُمْ أَشَدُّ «٦» عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) فَمَن جَعَله بالواو كَانَ مصدرًا محضًا. ومن جعله بالياء قَالَ: عاتٍ وعُتِيّ فلمّا جَمَعُوا بُني جمعهم عَلَى واحدهم. وجازَ أن يكون المصدر بالياء أيضًا لأن المصدر والأسماء تتفق فِي هَذَا المعنى: ألا ترى أنهم يقولون: قاعد وقوم قعود، وقعدت قعودًا. فلمّا استويا هَاهُنَا فِي الْقُعُود لَمْ يبالوا أن يستويا فى العتو والعتىّ.


(١) ا: «الجحد»
(٢) الآية ١٣ سورة نوح
(٣) انظر ص ٢٨٦، من الجزء الأول
(٤) ش: «حالفها» وا: خالفها» وهما روايتان وانظر ص ٢٨٦ من الجزء الأول
(٥) المعروف فى كتب اللغة ضم النون ولم أقف على فتحها للنحل، وكذا لم أقف على الأوب فيه
(٦) الآية ٦٩ من سورة مريم