للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله عَزَّ وَجَلَّ. وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تذودان [٢٣] : تحبسَان غنمهما. ولا يَجوز أن تَقُولُ ذُدْتُ الرجل: حبسته. وإنَّما كَانَ الذِّيَادُ حَبْسًا للغنم لأن الغنم والإبل إذا أراد شىء منها أن يشذّ ويذهب فرددته فذلك ذَوْد، وهو الحبس. وَفِي قراءة عبد الله (وَدُونَهُمُ امْرَأَتَانِ حَابِسَتَانِ) فَسَألَهُمَا عَن حبسهما فقالتا: لا نقوى عَلَى السقي مع الناس حَتَّى يُصْدِروا. فأتى أهل الماء فاستوهبهم دَلْوًا فقالوا: استقِ إن قويت، وكانت الدلو يحملها الأربعونَ ونَحوهم. فاستقى هُوَ وحدَهُ، فسَقي غنمهما، فذلك قول إحدى الجاريتين

(إِنَّ خَيْرَ «١» مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) فقُوّته إخراجه الدلو وَحده، وأمانته أن إحدى الجاريتين قالت: إن أبى يدعوك، فقامَ معها فمرّت بين يديه، فطارت الريحُ بثيابِها فألصقتها بجسدها، فقال لَهَا: تأخّري فإن ضللت فدُليني. فمشت خلفه فتلك أمانته.

وقوله: عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ [٢٧] يقول: أن تجعل ثوابي أن ترعى عليّ غنمي ثماني حجج (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ) يقول: فهو تطوّع. فذكر ابن عباس أَنَّهُ قضى أكثر الأجلين وأطيبهما.

وقوله: أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ [٢٨] فجعل (ما) وهي صلة من صلات الجزاء مع (أيّ) وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه (أيَّ الأجلينَ مَا قضَيْت فَلَا عُدْوَانَ عَلَيّ) وهذا أكثر فِي كلام العرب من الأوّل.

وقال الشاعر:

وأيّهما ما أتبَعَنَّ فإنني ... حَريصٌ عَلَى إثْرِ الَّذِي أنَا تابِعُ

وسمع الْكِسَائي أعرابيًا يقول: فأيُّهم ما أخذها ركب عَلَى أيِّهم، يريدُ فِي لُعبة لَهُم. وَذَلِكَ جائز أيضًا حسن.

وقوله: أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ [٢٩] قرأها عاصم (أو جذوة) بالفتح والقراءة بكسر «٢» الجيم


(١) فى الآية ٢٦ سورة القصص
(٢) الرفع لحمزة وخلف وافقهما الأعمش. والكسر لغير عاصم وهؤلاء.