للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَانَ قَوْلُنَا: «اللَّهُ» غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَهُ أَشْخَاصٌ كَثِيرَةٌ، وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ قَوْلُنَا: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» مُوجِبًا لِلتَّوْحِيدِ الْمَحْضِ، وَحَيْثُ أَجْمَعَ الْعُقَلَاءُ عَلَى أَنَّ قَوْلَنَا: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» يُوجِبُ التَّوْحِيدَ الْمَحْضَ عَلِمْنَا أَنَّ قَوْلَنَا:

«اللَّهُ» اسْمُ عَلَمٍ مَوْضُوعٍ لِتِلْكَ الذَّاتِ الْمُعَيَّنَةِ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَقَّةِ.

الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ ذَاتًا مُعَيَّنَةً ثُمَّ يَذْكُرَهُ بِالصِّفَاتِ فَإِنَّهُ يَذْكُرُ اسْمَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَذْكُرُ عَقِيبَ الِاسْمِ الصِّفَاتِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: زَيْدٌ الْفَقِيهُ النَّحْوِيُّ الْأُصُولِيُّ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّ كُلَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى بِالصِّفَاتِ الْمُقَدَّسَةِ فَإِنَّهُ يَذْكُرُ أَوَّلًا لَفْظَةَ اللَّهُ ثُمَّ يَذْكُرُ عَقِيبَهُ صِفَاتِ الْمَدَائِحِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُ الْعَالِمُ الْقَادِرُ الْحَكِيمُ، وَلَا يَعْكِسُونَ هَذَا فَلَا يَقُولُونَ: الْعَالِمُ الْقَادِرُ اللَّهُ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَنَا: «اللَّهُ» اسْمُ عَلَمٍ.

فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ: الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ؟ [إِبْرَاهِيمَ: ١، ٢] قُلْنَا: هَاهُنَا قِرَاءَتَانِ مِنْهُمْ مَنْ قَرَأَ اللَّهُ بِالرَّفْعِ، وَحِينَئِذٍ يَزُولُ السُّؤَالُ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَهُ مُبْتَدَأً فَقَدْ أَخْرَجَهُ عَنْ جَعْلِهِ صِفَةً لِمَا قَبْلَهُ، وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ بِالْجَرِّ فَهُوَ نَظِيرٌ لِقَوْلِنَا: هَذِهِ الدَّارُ مِلْكٌ لِلْفَاضِلِ الْعَالِمِ زَيْدٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ جَعَلَ قَوْلَهُ زَيْدٍ صِفَةً لِلْعَالِمِ الْفَاضِلِ، بَلِ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا قَالَ هَذِهِ الدَّارُ مِلْكٌ لِلْعَالِمِ الْفَاضِلِ بَقِيَ الِاشْتِبَاهُ فِي أَنَّهُ مَنْ ذَلِكَ الْعَالِمُ الْفَاضِلُ؟ فَقِيلَ عَقِيبَهُ زَيْدٌ، لِيَصِيرَ هَذَا مُزِيلًا لِذَلِكَ الِاشْتِبَاهِ، وَلَمَّا لَمْ يَلْزَمْ هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ اسْمُ الْعَلَمِ صَارَ صِفَةً فَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.

الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ تَعَالَى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مَرْيَمَ ٦٥] وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الِاسْمِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الصِّفَةُ وَإِلَّا لَكَذَبَ قَوْلُهُ: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ اسْمَ الْعَلَمِ، فَكُلُّ مَنْ أَثْبَتَ لِلَّهِ اسْمَ عَلَمٍ قَالَ لَيْسَ ذَاكَ إِلَّا قَوْلُنَا اللَّهُ.

وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَيْسَ اسْمَ عَلَمٍ بِوُجُوهٍ وَحُجَجٍ: - الْحُجَّةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ [الْأَنْعَامِ: ٣] وَقَوْلُهُ: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ [البقرة: ٢٥٥] فَإِنَّ قَوْلَهُ: «اللَّهُ» لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ صِفَةً، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمَ عَلَمٍ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: هُوَ زَيْدٌ فِي الْبَلَدِ، وَهُوَ بَكْرٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: هُوَ الْعَالِمُ الزَّاهِدُ فِي الْبَلَدِ، وَبِهَذَا الطَّرِيقِ يُعْتَرَضُ عَلَى قَوْلِ النَّحْوِيِّينَ: إِنَّ الضَّمِيرَ لَا يَقَعُ مَوْصُوفًا وَلَا صِفَةً، وَإِذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ صِفَةً امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ اسْمَ عَلَمٍ.

الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ اسْمَ الْعَلَمِ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِشَارَةِ، فَلَمَّا كَانَتِ الْإِشَارَةُ مُمْتَنِعَةً فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ اسْمُ الْعَلَمِ مُمْتَنِعًا فِي حَقِّهِ.

الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ اسْمَ الْعَلَمِ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ لِيَتَمَيَّزَ شَخْصٌ عَنْ شَخْصٍ آخَرَ يُشْبِهُهُ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَاهِيَّةِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي حَقِّ اللَّهِ مُمْتَنِعًا كَانَ الْقَوْلُ بِإِثْبَاتِ الِاسْمِ الْعَلَمِ مُحَالًا فِي حَقِّهِ.

وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ جَارِيًا مَجْرَى أَنْ يُقَالَ: هَذَا زَيْدٌ الَّذِي/ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ؟ وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي أَنَّ الِاسْمَ الْعَلَمَ هُوَ الَّذِي وُضِعَ لِتَعْيِينِ الذَّاتِ الْمُعَيَّنَةِ، وَلَا حَاجَةَ فِيهِ إِلَى كَوْنِ ذَلِكَ الْمُسَمَّى مُشَارًا إِلَيْهِ بِالْحِسِّ أَمْ لَا، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنِ الْحُجَّةِ الثَّالِثَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّهُ اسْمٌ مُشْتَقٌّ ذَكَرُوا فِيهِ فُرُوعًا: - الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِلَهَ هُوَ الْمَعْبُودُ، سَوَاءٌ عُبِدَ بِحَقٍّ أَوْ بِبَاطِلٍ، ثُمَّ غَلَبَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ عَلَى المعبود