للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تُكْتَبَ مَفْصُولَةً وَلَكِنَّهَا وَقَعَتْ فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ مُتَّصِلَةً، وَاتِّبَاعُ خَطِّ الْمَصَاحِفِ لِذَلِكَ الْمُصْحَفِ وَاجِبٌ، وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ: أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ فَهَهُنَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً لِأَنَّهَا كَافَّةٌ بِخِلَافِ الأولى.

المسألة الرابعة: معنى نُمْلِي لَهُمْ فَهَهُنَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً لِأَنَّهَا كَافَّةٌ بِخِلَافِ الْأُولَى.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: مَعْنَى «نُمْلِي» نُطِيلُ وَنُؤَخِّرُ، وَالْإِمْلَاءُ الْإِمْهَالُ وَالتَّأْخِيرُ، قَالَ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:

وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْمَلْوَةِ وَهِيَ الْمُدَّةُ مِنَ الزَّمَانِ، يُقَالُ: مَلَوْتُ مِنَ الدَّهْرِ مَلْوَةً وَمُلْوَةً وَمِلَاوَةً وَمُلَاوَةً بِمَعْنًى وَاحِدٍ، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: يُقَالُ: أَمْلَى عَلَيْهِ الزَّمَانُ أَيْ طَالَ، وَأَمْلَى لَهُ أَيْ طَوَّلَ لَهُ وَأَمْهَلَهُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَمِنْهُ الْمَلَا لِلْأَرْضِ الْوَاسِعَةِ الطَّوِيلَةِ وَالْمَلَوَانِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذَا الْإِمْلَاءَ عِبَارَةٌ عَنْ إِطَالَةِ الْمُدَّةِ، وَهِيَ لَا شَكَّ أَنَّهَا مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْآيَةُ نَصٌّ فِي بَيَانِ أَنَّ هَذَا الْإِمْلَاءَ لَيْسَ بِخَيْرٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ فَاعِلُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى نَصَّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هذا الإملاء هو أن يزدادوا الْإِثْمِ وَالْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ وَالْمَعَاصِيَ بِإِرَادَةِ اللَّهِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:

وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ أَيْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلِيَكُونَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا خَيْرَ لَهُمْ فِي هَذَا الْإِمْلَاءِ، أنهم لَا يَحْصُلُونَ إِلَّا عَلَى ازْدِيَادِ الْبَغْيِ وَالطُّغْيَانِ، وَالْإِتْيَانُ بِخِلَافِ مُخْبَرِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ بَقَاءِ ذَلِكَ الْخَيْرِ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِذَا لَمْ يَكُونُوا قَادِرِينَ مَعَ ذَلِكَ الْإِمْلَاءِ عَلَى الْخَيْرِ وَالطَّاعَةِ مَعَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِذَلِكَ لَزِمَ فِي نَفْسِهِ بُطْلَانُ مَذْهَبِ الْقَوْمِ. قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ:

أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ هَذَا الْإِمْلَاءَ لَيْسَ بِخَيْرٍ، إِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا الْإِمْلَاءَ لَيْسَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَنْ يَمُوتُوا كَمَا مَاتَ الشُّهَدَاءُ يَوْمَ أُحُدٍ، لِأَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي شَأْنِ أُحُدٍ وَفِي تَثْبِيطِ الْمُنَافِقِينَ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْجِهَادِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ إِبْقَاءَ الْكَافِرِينَ فِي الدُّنْيَا وَإِمْلَاءَهُ لَهُمْ لَيْسَ بِخَيْرٍ لَهُمْ مِنْ أَنْ يَمُوتُوا كَمَوْتِ الشُّهَدَاءِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ كَوْنِ هَذَا الْإِمْلَاءِ أَكْثَرَ خَيْرِيَّةً مِنْ ذَلِكَ الْقَتْلِ، أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا الْإِمْلَاءُ فِي نَفْسِهِ خَيْرًا.

وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: فَقَدْ قَالُوا: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْإِمْلَاءِ إِقْدَامُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ وَالْفِسْقِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذَّارِيَاتِ: ٥٦] وَقَوْلِهِ: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النِّسَاءِ: ٦٤] بَلِ الْآيَةُ تَحْتَمِلُ وُجُوهًا مِنَ التَّأْوِيلِ: أَحَدُهَا: أَنْ تُحْمَلَ هَذِهِ اللَّامُ عَلَى لَامِ الْعَاقِبَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [الْقَصَصِ: ٨] وَقَوْلِهِ: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ [الْأَعْرَافِ: ١٧٩] وَقَوْلِهِ: وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ [إِبْرَاهِيمَ: ٣٠] وَهُمْ مَا فَعَلُوا ذَلِكَ لِطَلَبِ الْإِضْلَالِ، بَلْ لِطَلَبِ الِاهْتِدَاءِ، وَيُقَالُ: مَا كَانَتْ مَوْعِظَتِي لَكَ إِلَّا لِزِيَادَةٍ فِي تَمَادِيكَ فِي الْفِسْقِ إِذَا كَانَتْ عَاقِبَةُ الْمَوْعِظَةِ ذَلِكَ، وَثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمْهَلَهُمْ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ لَا يَزْدَادُونَ عِنْدَ هَذَا الْإِمْهَالِ إِلَّا تَمَادِيًا فِي الْغَيِّ وَالطُّغْيَانِ، أَشْبَهَ هَذَا حَالَ مَنْ فَعَلَ الْإِمْلَاءَ لِهَذَا الْغَرَضِ وَالْمُشَابَهَةُ أَحَدُ أَسْبَابِ حُسْنِ الْمَجَازِ. وَرَابِعُهَا: وَهُوَ السُّؤَالُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ لِلْقَوْمِ وَهُوَ أَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ: لِيَزْدادُوا إِثْماً غَيْرُ مَحْمُولٍ عَلَى الْغَرَضِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ فَلِأَنَّهُمْ يُحِيلُونَ تَعْلِيلَ أَفْعَالِ اللَّهِ بِالْأَغْرَاضِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا فَلِأَنَّا لَا نَقُولُ بِأَنَّ فِعْلَ اللَّهِ مُعَلَّلٌ بِغَرَضِ التَّعَبِ وَالْإِيلَامِ، بَلْ عِنْدَنَا أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَفْعَلْ فِعْلًا إِلَّا لِغَرَضِ الْإِحْسَانِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ اللَّامَ غَيْرُ مَحْمُولَةٍ عَلَى التَّعْلِيلِ وَالْغَرَضِ، وَعِنْدَ هَذَا يَسْقُطُ مَا