للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: اللَّامُ لَامُ التَّأْكِيدِ يَدْخُلُ عَلَى الْيَمِينِ، تَقْدِيرُهُ: اسْتَحْلَفَهُمْ لَيُبَيِّنُنَّهُ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: إِنَّمَا قَالَ: وَلَا تَكْتُمُونَهُ وَلَمْ يَقُلْ: وَلَا تَكْتُمْنَهُ، لِأَنَّ الْوَاوَ وَاوُ الْحَالِ دُونَ وَاوِ الْعَطْفِ، وَالْمَعْنَى لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ غَيْرَ كَاتِمِينَ.

فَإِنْ قِيلَ: الْبَيَانُ يُضَادُّ الْكِتْمَانَ، فَلَمَّا أَمَرَ بِالْبَيَانِ كَانَ الْأَمْرُ بِهِ نَهْيًا عَنِ الْكِتْمَانِ، فَمَا الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ النَّهْيِ عَنِ الْكِتْمَانِ؟

قُلْنَا: الْمُرَادُ مِنَ الْبَيَانِ ذِكْرُ تِلْكَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَالْمُرَادُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْكِتْمَانِ أَنْ لَا يُلْقُوا فِيهَا التَّأْوِيلَاتِ الْفَاسِدَةَ وَالشُّبُهَاتِ الْمُعَطِّلَةَ.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الْآيَةِ وَإِنْ كَانَ مُخْتَصًّا بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَإِنَّهُ لا يبعد أيضاً دخول المسلمين فيه، لأنه أَهْلُ الْقُرْآنِ وَهُوَ أَشْرَفُ الْكُتُبِ. حُكِيَ أَنَّ الْحَجَّاجَ أَرْسَلَ إِلَى الْحَسَنِ وَقَالَ: مَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكَ؟ فَقَالَ: مَا كُلُّ الَّذِي بَلَغَكَ عَنِّي قُلْتُهُ: وَلَا كُلُّ مَا قُلْتُهُ بَلَغَكَ، قَالَ: أَنْتَ الَّذِي قُلْتَ: إِنَّ النِّفَاقَ كَانَ مَقْمُوعًا فَأَصْبَحَ قَدْ تَعَمَّمَ وَتَقَلَّدَ سَيْفًا، فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: وَمَا الَّذِي حَمَلَكَ عَلَى هَذَا وَنَحْنُ نَكْرَهُهُ، قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ أَخَذَ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَثَلُ عِلْمٍ لَا يُقَالُ بِهِ كَمَثَلِ كَنْزٍ لَا يُنْفَقُ مِنْهُ، وَمَثَلُ حِكْمَةٍ لَا تَخْرُجُ كَمَثَلِ/ صَنَمٍ قَائِمٍ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ، وَكَانَ يَقُولُ: طُوبَى لِعَالِمٍ نَاطِقٍ، وَلِمُسْتَمِعٍ وَاعٍ، هَذَا عَلِمَ عِلْمًا فَبَذَلَهُ، وَهَذَا سمع خيرا فوعاه،

قال عليه الصلاة السلام: «مَنْ كَتَمَ عِلْمًا عَنْ أَهْلِهِ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ»

وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَمْ يُرَاعُوهُ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ، وَالنَّبْذُ وَرَاءَ الظَّهْرِ مِثْلُ الطَّرْحِ وَتَرْكِ الِاعْتِدَادِ، وَنَقِيضُهُ: جَعْلُهُ نُصْبَ عَيْنِهِ وَإِلْقَاؤُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَقَوْلُهُ: وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ أَخْفَوُا الْحَقَّ لِيَتَوَسَّلُوا بِهِ إِلَى وِجْدَانِ شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا، فَكُلُّ مَنْ لَمْ يُبَيِّنِ الْحَقَّ لِلنَّاسِ وَكَتَمَ شَيْئًا مِنْهُ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ، مِنْ تَسْهِيلٍ عَلَى الظَّلَمَةِ وَتَطْيِيبٍ لِقُلُوبِهِمْ، أَوْ لِجَرِّ مَنْفَعَةٍ، أَوْ لِتَقِيَّةٍ وَخَوْفٍ، أَوْ لِبُخْلٍ بِالْعِلْمِ دخل تحت هذا الوعيد.

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٨٨ الى ١٨٩]

لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨٨) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩)

اعْلَمْ أَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا دَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ: وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً [آلِ عِمْرَانَ: ١٨٦] فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَنْوَاعِ هَذَا الْأَذَى أَنَّهُمْ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا بِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَبَثِ وَالتَّلْبِيسِ عَلَى ضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالصِّدْقِ وَالدِّيَانَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَأَذَّى بِمُشَاهَدَةِ مثل هذه الأحوال، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بِالْمُصَابَرَةِ عَلَيْهَا، وَبَيَّنَ مَا لَهُمْ مِنَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ حَمْزَةُ وَعَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ بِالتَّاءِ الْمُنَقَّطَةِ مِنْ فَوْقُ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ بِالْيَاءِ الْمُنَقَّطَةِ مِنْ تَحْتُ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ: فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ أَمَّا الْقِرَاءَةُ الْأُولَى فَفِيهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقْرَأَ كِلَاهُمَا بِفَتْحِ الْبَاءِ. وَالثَّانِي: أَنْ يُقْرَأَ كِلَاهُمَا بِضَمِّ الْبَاءِ، فَمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ وَفَتَحَ الْبَاءَ فِيهِمَا جَعَلَ التَّقْدِيرَ: لا