للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ عَامٌّ فِي الْبُخْلِ بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَفِي الْبُخْلِ بِالْمَالِ، لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ، وَالْكُلُّ مَذْمُومٌ، فَوَجَبَ كَوْنُ اللَّفْظِ مُتَنَاوِلًا لِلْكُلِّ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْأَحْوَالِ الْمَذْمُومَةِ ثَلَاثًا: أَوَّلُهَا: كَوْنُ الْإِنْسَانِ بَخِيلًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وثانيها: كونهم آمرين لغيرهم بالخبل، وَهَذَا هُوَ النِّهَايَةُ فِي حُبِّ الْبُخْلِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ: وَيَكْتُمُونَ مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَيُوهِمُونَ الْفَقْرَ مَعَ الْغِنَى، وَالْإِعْسَارَ مَعَ الْيَسَارِ، وَالْعَجْزَ مَعَ الْإِمْكَانِ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْكِتْمَانَ قَدْ يَقَعُ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الْكُفْرَ، مِثْلَ أَنْ يُظْهِرَ الشِّكَايَةَ عَنِ اللَّه تَعَالَى، وَلَا يَرْضَى بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، وَهَذَا يَنْتَهِي إِلَى حَدِّ الْكُفْرِ، فَلِذَلِكَ قَالَ: وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً وَمَنْ قَالَ: الْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِالْيَهُودِ، فَكَلَامُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ مَنْ كَتَمَ الدِّينَ وَالنُّبُوَّةَ فَهُوَ كَافِرٌ، وَيُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْكَافِرِ، مَنْ يَكُونُ كَافِرًا بِالنِّعْمَةِ، لا من يكون كافرا بالدين والشرع.

[[سورة النساء (٤) : آية ٣٨]]

وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (٣٨)

وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: إِنْ شِئْتَ عَطَفْتَ الَّذِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الَّذِينَ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَطْفًا على قوله: لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً [النساء: ٣٧] الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ الْوَاحِدِيُّ: نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ، وَهُوَ الْوَجْهُ لِذِكْرِ الرِّئَاءِ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ النِّفَاقِ.

وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي مُشْرِكِي مَكَّةَ الْمُنْفِقِينَ عَلَى عَدَاوَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَى أَرْبَابِ الْحَاجَاتِ، بَيَّنَ أَنَّ مَنْ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ قِسْمَانِ: فَالْأَوَّلُ: هُوَ الْبَخِيلُ الَّذِي لَا يُقْدِمُ عَلَى إِنْفَاقِ الْمَالِ الْبَتَّةَ، وَهُمُ الْمَذْمُومُونَ فِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ/ النَّاسَ بِالْبُخْلِ [النساء: ٣٧] وَالثَّانِي:

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ، لَكِنْ لَا لِغَرَضِ الطَّاعَةِ، بَلْ لِغَرَضِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، فَهَذِهِ الْفِرْقَةُ أَيْضًا مَذْمُومَةٌ، وَمَتَى بَطُلَ الْقَوْلُ بِهَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ. وَهُوَ إِنْفَاقُ الْأَمْوَالِ لِغَرَضِ الْإِحْسَانِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً. وَالْمَعْنَى: أَنَّ الشَّيْطَانَ قَرِينٌ لِأَصْحَابِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ كَقَوْلِهِ: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزُّخْرُفِ: ٣٦] وَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ بِئْسَ الْقَرِينُ، إِذْ كَانَ يُضِلُّهُ عَنْ دَارِ النَّعِيمِ وَيُورِدُهُ نَارَ السَّعِيرِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ [الْحَجِّ: ٣، ٤] .

ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى عَيَّرَهُمْ وبين سوء اختيارهم في ترك الإيمان.

[[سورة النساء (٤) : آية ٣٩]]

وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (٣٩)

وَفِيهِ مَسَائِلُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>