للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها

الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى الْكَسْبِ، وَالتَّقْدِيرُ: يَرْمِ بِكَسْبِهِ بَرِيئًا، فَدَلَّ يَكْسِبُ عَلَى الْكَسْبِ. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا إِلَى مَعْنَى الْخَطِيئَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ يَكْسِبْ ذَنْبًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً

فَالْبُهْتَانُ أَنْ تَرْمِيَ أَخَاكَ بِأَمْرٍ مُنْكَرٍ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْهُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْبُهْتَانِ مَذْمُومٌ فِي الدُّنْيَا أَشَدَّ الذَّمِّ، وَمُعَاقَبٌ فِي الْآخِرَةِ أَشَدَّ الْعِقَابِ، فَقَوْلُهُ فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً

إِشَارَةٌ إِلَى مَا يَلْحَقُهُ مِنَ الذَّمِّ الْعَظِيمِ فِي الدُّنْيَا، وَقَوْلُهُ وَإِثْماً مُبِيناً

إِشَارَةٌ إِلَى/ مَا يَلْحَقُهُ مِنَ الْعِقَابِ الْعَظِيمِ فِي الْآخِرَةِ.

[[سورة النساء (٤) : آية ١١٣]]

وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (١١٣)

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ

وَالْمَعْنَى وَلَوْلَا أَنَّ اللَّه خَصَّكَ بِالْفَضْلِ وَهُوَ النُّبُوَّةُ، وَبِالرَّحْمَةِ وَهِيَ الْعِصْمَةُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْمَ طُعْمَةَ كَانُوا قَدْ عَرَفُوا أَنَّهُ سَارِقٌ، ثُمَّ سَأَلُوا النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَدْفَعَ وَيُجَادِلَ عَنْهُ وَيُبَرِّئَهُ عَنِ السَّرِقَةِ، وَيَنْسُبَ تِلْكَ السَّرِقَةَ إِلَى الْيَهُودِيِّ، وَمَعْنَى يُضِلُّوكَ أَيْ يُلْقُوكَ فِي الْحُكْمِ الْبَاطِلِ الْخَطَأِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ

بِسَبَبِ تَعَاوُنِهِمْ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَشَهَادَتِهِمْ بِالزُّورِ وَالْبُهْتَانِ، فَهُمْ لَمَّا أَقْدَمُوا عَلَى هَذِهِ الْأَعْمَالِ فَهُمُ الَّذِينَ يعلمون عَمَلَ الضَّالِّينَ.

وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ

فِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: قَالَ الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّه: وَمَا يَضُرُّونَكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَوَعَدَهُ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِإِدَامَةِ الْعِصْمَةِ لَهُ مِمَّا يُرِيدُونَ مِنْ إِيقَاعِهِ فِي الْبَاطِلِ. الثَّانِي: أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ وَإِنْ سَعَوْا فِي إِلْقَائِكَ فِي الْبَاطِلِ فَأَنْتَ مَا وَقَعْتَ فِي الْبَاطِلِ، لِأَنَّكَ بَنَيْتَ الْأَمْرَ عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ، وَأَنْتَ مَا أُمِرْتَ إِلَّا بِبِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى الظَّوَاهِرِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ.

وَاعْلَمْ أَنَّا إِنْ فَسَّرْنَا قَوْلَهُ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ

بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ تَعَالَى وَعَدَهُ بِالْعِصْمَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَانَ قَوْلُهُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ

مُؤَكِّدًا لِذَلِكَ الْوَعْدِ، يَعْنِي لَمَّا أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَأَمَرَكَ بِتَبْلِيغِ الشَّرِيعَةِ إِلَى الْخَلْقِ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِحِكْمَتِهِ أَنْ لَا يَعْصِمَكَ عَنِ الْوُقُوعِ فِي الشُّبُهَاتِ وَالضَّلَالَاتِ، وَإِنْ فَسَّرْنَا تِلْكَ الْآيَةَ بِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ مَعْذُورًا فِي بِنَاءِ الْحُكْمِ عَلَى الظَّاهِرِ كَانَ الْمَعْنَى: وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَأَوْجَبَ فِيهَا بِنَاءَ أَحْكَامِ الشَّرْعِ عَلَى الظَّاهِرِ فَكَيْفَ يَضُرُّكَ بِنَاءُ الْأَمْرِ عَلَى الظَّاهِرِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً.

قَالَ الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّه: هَذِهِ الْآيَةُ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ، كَمَا/ قَالَ مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ [الشُّورَى: ٥٢] وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَقْدِيرُ الْآيَةِ: أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْكَ الْكِتَابَ

<<  <  ج: ص:  >  >>