للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَوْنِ الذَّبْحِ وَاقِعًا فِي الْوَلَدِ، إِلَّا أَنَّ الْعَامَّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ حُجَّةٌ. وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه: أَنَّ هَذَا نَذْرٌ فِي الْمَعْصِيَةِ فَيَكُونُ لَغْوًا

لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّه» .

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه: خِيَارُ الْمَجْلِسِ غَيْرُ ثَابِتٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: ثَابِتٌ، حُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمَّا انْعَقَدَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَجَبَ أَنْ يَحْرُمَ الْفَسْخُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ تَخْصِيصُ هَذَا الْعُمُومِ بِالْخَبَرِ، وَهُوَ

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» .

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللَّه: الْجَمْعُ بَيْنَ الطَّلَقَاتِ حَرَامٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: لَيْسَ بِحَرَامٍ، حُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ مِنَ الْعُقُودِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ [الْبَقَرَةِ: ٢٣٥] فَوَجَبَ أَنْ يَحْرُمَ رَفْعُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ تُرِكَ الْعَمَلُ بِهِ فِي الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهَا عَلَى الْأَصْلِ، وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه خَصَّصَ هَذَا الْعُمُومَ بِالْقِيَاسِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ حَرُمَ الْجَمْعُ لَمَا نفذ وقد نفذ فلا يحرم.

قَوْلُهُ تَعَالَى: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ.

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَرَّرَ بِالْآيَةِ الْأُولَى عَلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمُ الِانْقِيَادُ لِجَمِيعِ تَكَالِيفِ اللَّه تَعَالَى، وَذَلِكَ كَالْأَصْلِ الْكُلِّيِّ وَالْقَاعِدَةِ الْجَمِيلَةِ، شَرَعَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي ذِكْرِ التَّكَالِيفِ الْمُفَصَّلَةِ، فَبَدَأَ بِذِكْرِ مَا يَحِلُّ وَمَا يَحْرُمُ مِنَ الْمَطْعُومَاتِ فَقَالَ: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالُوا: كُلُّ حَيٍّ لَا عَقْلَ لَهُ فَهُوَ بَهِيمَةٌ، مِنْ قَوْلِهِمْ: اسْتَبْهَمَ الْأَمْرُ عَلَى فُلَانٍ إِذَا أَشْكَلَ، وَهَذَا بَابٌ مُبْهَمٌ أَيْ مَسْدُودُ الطَّرِيقِ، ثُمَّ اخْتُصَّ هَذَا الِاسْمُ بِكُلِّ ذَاتِ أَرْبَعٍ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَالْأَنْعَامُ هِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، قَالَ تعالى: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ إِلَى قَوْلِهِ وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ [النَّحْلِ: ٥- ٨] فَفَرَّقَ تَعَالَى بَيْنَ الْأَنْعَامِ وَبَيْنَ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ. وَقَالَ تَعَالَى: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ [يس: ٧١، ٧٢] وَقَالَ: وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ إِلَى قَوْلِهِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ وَإِلَى قَوْلِهِ وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ [الْأَنْعَامِ: ١٤٢- ١٤٤] قَالَ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: وَلَا يَدْخُلُ فِي اسْمِ الْأَنْعَامِ الْحَافِرُ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ نُعُومَةِ الْوَطْءِ.

إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: فِي لَفْظِ الْآيَةِ سُؤَالَاتٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْبَهِيمَةَ اسْمُ الْجِنْسِ، وَالْأَنْعَامَ اسْمُ النَّوْعِ فَقَوْلُهُ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ يَجْرِي مَجْرَى قَوْلِ الْقَائِلِ: حَيَوَانُ الْإِنْسَانِ وَهُوَ مُسْتَدْرَكٌ. الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ قَالَ: أُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ، لَكَانَ الْكَلَامُ تَامًّا بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ [الحج: ٣٠] فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي زِيَادَةِ لَفْظِ الْبَهِيمَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ ذَكَرَ لَفْظَ الْبَهِيمَةِ بِلَفْظِ الْوُحْدَانِ، وَلَفْظَ الْأَنْعَامِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، فَمَا الْفَائِدَةُ فِيهِ؟

وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَهِيمَةِ وَبِالْأَنْعَامِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَإِضَافَةُ الْبَهِيمَةِ إِلَى الْأَنْعَامِ لِلْبَيَانِ، وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ بِمَعْنَى مِنْ كَخَاتَمِ فِضَّةٍ، وَمَعْنَاهُ الْبَهِيمَةُ من الأنعام أو للتأكيد كقولنا: نفس

<<  <  ج: ص:  >  >>