للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي وَاقِعَةٍ خَاصَّةٍ ثُمَّ فِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ:

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً إِلَى بَنِي عَامِرٍ فَقُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ إِلَّا ثَلَاثَةَ نَفَرٍ: أَحَدُهُمْ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِي، وَانْصَرَفَ هُوَ وَآخَرُ مَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخْبِرَاهُ خَبَرَ الْقَوْمِ، فَلَقِيَا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ مَعَهُمَا أَمَانٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلَاهُمَا وَلَمْ يَعْلَمَا أَنَّ مَعَهُمَا أَمَانًا، فَجَاءَ قَوْمُهُمَا يَطْلُبُونَ الدِّيَةَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ/ وَعَلِيٌّ حَتَّى دَخَلُوا عَلَى بَنِي النَّضِيرِ، وَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ وَعَلَى أَنْ يُعِينُوهُ فِي الدِّيَاتِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَصَابَ رَجُلَيْنِ مَعَهُمَا أَمَانٌ مِنِّي فَلَزِمَنِي دِيَتُهُمَا، فَأُرِيدُ أَنْ تُعِينُونِي، فَقَالُوا اجْلِسْ حَتَّى نُطْعِمَكَ وَنُعْطِيَكَ مَا تُرِيدُ، ثُمَّ هَمُّوا بِالْفَتْكِ بِرَسُولِ اللَّه وَبِأَصْحَابِهِ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَالِ مَعَ أَصْحَابِهِ وَخَرَجُوا، فَقَالَ الْيَهُودُ: إِنَّ قُدُورَنَا تَغْلِي، فَأَعْلَمَهُمُ الرَّسُولُ أَنَّهُ قَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ الوحي بما عزموا عليه.

قال عطاء: توامروا عَلَى أَنْ يَطْرَحُوا عَلَيْهِ رَحًا أَوْ حَجَرًا، وَقِيلَ: بَلْ أَلْقَوْا فَأَخَذَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالثَّانِي:

قَالَ آخَرُونَ: إِنَّ الرَّسُولَ نَزَلَ مَنْزِلًا وَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ، وَعَلَّقَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِلَاحَهُ بِشَجَرَةٍ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ وَسَلَّ سَيْفَ رَسُولِ اللَّه ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ وقال: من يمنعك مني؟ قال: اللَّه، قالها ثلاثا، فأسقطه جبريل من يده فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقَالَ: لَا أَحَدَ، ثُمَّ صَاحَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُمْ وَأَبَى أَنْ يُعَاقِبَهُ،

وَعَلَى هَذَيْنِ القولين فالمراد من قوله اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ تَذْكِيرُ نِعْمَةِ اللَّه عَلَيْهِمْ بِدَفْعِ الشَّرِّ وَالْمَكْرُوهِ عَنْ نَبِيِّهِمْ، فَإِنَّهُ لَوْ حَصَلَ ذَلِكَ لَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْمِحَنِ، وَالثَّالِثُ:

رُوِيَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَامُوا إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ بِالْجَمَاعَةِ وَذَلِكَ بَعُسْفَانَ، فَلَمَّا صَلَّوْا نَدِمَ الْمُشْرِكُونَ وَقَالُوا لَيْتَنَا أَوْقَعْنَا بِهِمْ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِمْ، فَقِيلَ لَهُمْ: إِنَّ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَهَا صَلَاةً هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَآبَائِهِمْ، يَعْنُونَ صَلَاةَ الْعَصْرِ، فهموا بأن يوقعوا بهم إذا قاموا إليها، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِصَلَاةِ الْخَوْفِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: يُقَالُ: بَسَطَ إِلَيْهِ لِسَانَهُ إِذَا شَتَمَهُ، وَبَسَطَ إِلَيْهِ يَدَهُ إِذَا بَطَشَ بِهِ. وَمَعْنَى بَسْطِ الْيَدِ مَدُّهَا إِلَى الْمَبْطُوشِ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُمْ: فُلَانٌ بَسِيطُ الْبَاعِ وَمَدِيدُ الْبَاعِ بِمَعْنَى وَاحِدٍ، فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ أَيْ منعها أن تصل إليكم.

[[سورة المائدة (٥) : آية ١٢]]

وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٢)

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ فِي اتِّصَالِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا وُجُوهًا: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى خَاطَبَ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا تَقَدَّمَ فَقَالَ: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا [الْمَائِدَةِ: ٧] ثُمَّ ذَكَرَ الْآنَ أَنَّهُ أَخَذَ الْمِيثَاقَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَكِنَّهُمْ نَقَضُوهُ وَتَرَكُوا الْوَفَاءَ بِهِ، فَلَا تَكُونُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِثْلَ أُولَئِكَ الْيَهُودِ فِي هَذَا الْخُلُقِ الذَّمِيمِ لِئَلَّا تَصِيرُوا مِثْلَهُمْ فِيمَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ اللَّعْنِ وَالذِّلَّةِ/ وَالْمَسْكَنَةِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا ذكر قوله اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ [الْمَائِدَةِ: ١١] وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَعْضِ الروايات أن

<<  <  ج: ص:  >  >>