للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي قَوْلِهِ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ رَجُلانِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ اعْتِرَاضٌ وَقَعَ فِي الْبَيْنِ يُؤَكِّدُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْكَلَامِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ مُبَالَغَةٌ فِي الْوَعْدِ بِالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ، كَأَنَّهُ قَالَ: مَتَى دَخَلْتُمْ بَابَ بَلَدِهِمُ انْهَزَمُوا وَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ نَافِخُ نَارٍ وَلَا سَاكِنُ دَارٍ، فَلَا تَخَافُوهُمْ. واللَّه أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: إِنَّمَا جَزَمَ هَذَانِ الرَّجُلَانِ فِي قَوْلِهِمَا فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ لِأَنَّهُمَا كَانَا جَازِمَيْنِ بِنُبُوَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنَّ اللَّه قَالَ: ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [الْمَائِدَةِ: ٢١] لَا جَرَمَ قَطَعَا بِأَنَّ النُّصْرَةَ لَهُمْ وَالْغَلَبَةَ حَاصِلَةٌ فِي جَانِبِهِمْ، وَلِذَلِكَ خَتَمُوا كَلَامَهُمْ بِقَوْلِهِمْ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يَعْنِي لَمَّا وَعَدَكُمُ اللَّه تَعَالَى النَّصْرَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَصِيرُوا خَائِفِينَ مِنْ شِدَّةِ قُوَّتِهِمْ وَعِظَمِ أَجْسَامِهِمْ، بَلْ تَوَكَّلُوا عَلَى اللَّه فِي حُصُولِ هَذَا النَّصْرِ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ مُقِرِّينَ بِوُجُودِ الْإِلَهِ الْقَادِرِ وَمُؤْمِنِينَ بِصِحَّةِ نُبُوَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السلام.

ثم قال تعالى:

[[سورة المائدة (٥) : آية ٢٤]]

قالُوا يَا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً مَا دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (٢٤)

وَفِي قَوْلِهِ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: لَعَلَّ الْقَوْمَ كَانُوا مُجَسِّمَةً، وَكَانُوا يُجَوِّزُونَ الذَّهَابَ وَالْمَجِيءَ عَلَى اللَّه تَعَالَى. الثَّانِي: يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الذَّهَابِ بَلْ هُوَ كَمَا يُقَالُ: كَلَّمْتُهُ فَذَهَبَ يُجِيبُنِي، يَعْنِي يُرِيدُ أَنْ يُجِيبَنِي، فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: كُنْ أَنْتَ وَرَبُّكَ مُرِيدَيْنِ لِقِتَالِهِمْ، / وَالثَّالِثُ: التَّقْدِيرُ: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ مُعِينٌ لَكَ بِزَعْمِكَ فَأَضْمَرَ خَبَرَ الِابْتِدَاءِ.

فَإِنْ قِيلَ: إِذَا أَضْمَرْنَا الْخَبَرَ فَكَيْفَ يُجْعَلُ قَوْلُهُ فَقاتِلا خَبَرًا أَيْضًا؟

قُلْنَا: لَا يَمْتَنِعُ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، وَالرَّابِعُ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَرَبُّكَ أَخُوهُ هَارُونُ، وَسَمَّوْهُ رَبًّا لِأَنَّهُ كَانَ أَكْبَرَ مِنْ مُوسَى. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: قَوْلُهُمْ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ إِنْ قَالُوهُ عَلَى وَجْهِ الذَّهَابِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ فَهُوَ كُفْرٌ، وَإِنْ قَالُوهُ عَلَى وَجْهِ التَّمَرُّدِ عَنِ الطَّاعَةِ فَهُوَ فِسْقٌ، وَلَقَدْ فَسَقُوا بِهَذَا الْكَلَامِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ [الْمَائِدَةِ: ٢٦] وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ شَرْحُ خِلَافِ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ وَشِدَّةِ بُغْضِهِمْ وَغُلُوِّهِمْ فِي الْمُنَازَعَةِ مَعَ أَنْبِيَاءِ اللَّه تَعَالَى منذ كانوا.

[[سورة المائدة (٥) : آية ٢٥]]

قالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٥)

ثُمَّ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ مِنْهُمْ هَذَا الْكَلَامَ قالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ذَكَرَ الزَّجَّاجُ فِي إِعْرَابِ قَوْلِهِ وَأَخِي وَجْهَيْنِ: الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ، أَمَّا الرَّفْعُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ نَسَقًا عَلَى مَوْضِعِ إِنِّي وَالْمَعْنَى أَنَا لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي، وَأَخِي كَذَلِكَ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [التَّوْبَةِ: ٣] وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ فِي أَمْلِكُ وَهُوَ «أَنَا» وَالْمَعْنَى: لَا أَمْلِكُ أَنَا وَأَخِي إِلَّا أَنْفُسَنَا، وَأَمَّا النَّصْبُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ نَسَقًا عَلَى الْيَاءِ، وَالتَّقْدِيرُ: إِنِّي وَأَخِي لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>