للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ اللَّه تَعَالَى، وَالْمَعْنَى ذَهَبَ مَا أَظْهَرُوهُ مِنَ الْإِيمَانِ، وَبَطَلَ كُلُّ خَيْرٍ عَمِلُوهُ لِأَجْلِ أَنَّهُمُ الْآنَ أَظْهَرُوا مُوَالَاةَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا بَطَلَتْ أَعْمَالُهُمْ بَقِيَتْ عَلَيْهِمُ الْمَشَقَّةُ فِي الْإِتْيَانِ بِتِلْكَ الْأَعْمَالِ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ ثَمَرَاتِهَا وَمَنَافِعِهَا، بَلِ اسْتَحَقُّوا اللَّعْنَ فِي الدُّنْيَا والعقاب في الآخرة.

[[سورة المائدة (٥) : آية ٥٤]]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤)

[في قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ] فيه مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَنَافِعٌ يَرْتَدِدْ بِدَالَيْنِ، وَالْبَاقُونَ بِدَالٍ وَاحِدَةٍ مُشَدَّدَةٍ، وَالْأَوَّلُ: لِإِظْهَارِ التَّضْعِيفِ، وَالثَّانِي: لِلْإِدْغَامِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: إِظْهَارُ الدَّالَيْنِ هُوَ الْأَصْلُ لِأَنَّ الثَّانِيَ مِنَ الْمُضَاعَفِ إِذَا سُكِّنَ ظَهَرَ التَّضْعِيفُ، نَحْوَ قَوْلِهِ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ [آلِ عِمْرَانَ: ١٤٠] وَيَجُوزُ فِي اللُّغَةِ: إِنْ يَمَسَّكُمْ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: رَوَى صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» أَنَّهُ كَانَ أَهْلُ الرِّدَّةِ إِحْدَى عَشْرَةَ فِرْقَةً: ثَلَاثٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

بَنُو مُدْلِجٍ: وَرَئِيسُهُمْ ذُو الْحِمَارِ، وَهُوَ الْأَسْوَدُ الْعَنْسِيُّ، وَكَانَ كَاهِنًا ادَّعَى النُّبُوَّةَ فِي الْيَمَنِ وَاسْتَوْلَى عَلَى بِلَادِهَا، وَأَخْرَجَ عُمَّالَ رَسُولِ اللَّه، فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَسَادَاتِ الْيَمَنِ، فَأَهْلَكَهُ اللَّه عَلَى يَدِ فَيْرُوزٍ الدَّيْلَمِيِّ بَيَّتَهُ فَقَتَلَهُ، وَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّه بِقَتْلِهِ لَيْلَةَ قُتِلَ، فَسُرَّ الْمُسْلِمُونَ، وَقُبِضَ رَسُولُ اللَّه مِنَ الْغَدِ وَأُتِيَ خَبَرُهُ فِي آخِرِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.

وَبَنُو حَنِيفَةَ قَوْمُ مُسَيْلِمَةَ، ادَّعَى النُّبُوَّةَ وَكَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّه: مِنْ مُسَيْلِمَةَ رَسُولِ اللَّه إِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّه أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْأَرْضَ نِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لَكَ، فَأَجَابَهُ الرَّسُولُ: مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّه إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْأَرْضَ للَّه يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، فَحَارَبَهُ أَبُو بَكْرٍ بِجُنُودِ الْمُسْلِمِينَ، وَقُتِلَ عَلَى يَدَيْ وَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ، وَكَانَ يَقُولُ: قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَشَرَّ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ، أَرَادَ فِي جَاهِلِيَّتِي وَفِي إِسْلَامِي.

وَبَنُو أَسَدٍ قَوْمُ طُلَيْحَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ: ادَّعَى النُّبُوَّةَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّه خَالِدًا، فَانْهَزَمَ بَعْدَ الْقِتَالِ إِلَى الشَّامِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ.

وَسَبْعٌ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ: فَزَارَةُ قَوْمُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَغَطَفَانُ قَوْمُ قُرَّةَ بْنِ سَلَمَةَ الْقُشَيْرِيِّ، وَبَنُو سُلَيْمٍ قَوْمُ الْفُجَاءَةَ بْنِ عَبْدِ يَالِيلَ، وَبَنُو يَرْبُوعٍ قَوْمُ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ، وَبَعْضُ بَنِي تَمِيمٍ قَوْمُ سَجَاحَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ الَّتِي ادَّعَتِ النُّبُوَّةَ وَزَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ مُسَيْلِمَةَ الكذاب، وكندة وقوم الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، وَبَنُو بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ بِالْبَحْرَيْنِ قَوْمُ الْحَطْمِ بْنِ زَيْدٍ، وَكَفَى اللَّه أَمْرَهُمْ عَلَى يَدِ أَبِي بَكْرٍ. وَفِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ فِي عَهْدِ عُمَرَ: غَسَّانُ قَوْمُ جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ، وَذَلِكَ أَنَّ جَبَلَةَ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ عُمَرَ، وَكَانَ يَطُوفُ ذَاتَ يَوْمٍ جَارًّا رِدَاءَهُ، فَوَطِئَ رَجُلٌ طَرَفَ رِدَائِهِ فَغَضِبَ فَلَطَمَهُ، فَتَظَلَّمَ إِلَى عُمَرَ فَقَضَى لَهُ بِالْقِصَاصِ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ، فَقَالَ: أَنَا أَشْتَرِيهَا بِأَلْفٍ، فَأَبَى الرَّجُلُ، فَلَمْ يَزَلْ يَزِيدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>