للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. وَالثَّانِي:

رَوَى عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام.

وروي أَنَّ عَبْدَ اللَّه بْنَ سَلَامٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه أَنَا رَأَيْتُ عَلِيًّا تَصَدَّقَ بِخَاتَمِهِ عَلَى مُحْتَاجٍ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَنَحْنُ نَتَوَلَّاهُ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا صَلَاةَ الظُّهْرِ، فَسَأَلَ سَائِلٌ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يُعْطِهِ أَحَدٌ، فَرَفَعَ السَّائِلُ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ أَنِّي سَأَلْتُ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا أَعْطَانِي أَحَدٌ شَيْئًا، وَعَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ رَاكِعًا، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ الْيُمْنَى وَكَانَ فِيهَا خَاتَمٌ، فَأَقْبَلَ السَّائِلُ حَتَّى أَخَذَ الْخَاتَمَ بِمَرْأَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّ أَخِي مُوسَى سَأَلَكَ» فَقَالَ: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي إِلَى قَوْلِهِ وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي [طه: ٢٥- ٣٢] فَأَنْزَلْتَ قُرْآنًا نَاطِقًا سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً [الْقَصَصِ: ٣٥] اللَّهُمَّ وَأَنَا مُحَمَّدٌ نَبِيُّكَ وَصَفِيُّكَ فَاشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي عَلِيًّا اشْدُدْ بِهِ ظهري. قال أبو ذر: فو اللَّه مَا أَتَمَّ رَسُولُ اللَّه هَذِهِ الْكَلِمَةَ حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اقْرَأْ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَى آخِرِهَا،

فَهَذَا مَجْمُوعُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالرِّوَايَاتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَتِ الشِّيعَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَتَقْرِيرُهُ أَنْ نَقُولَ: هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ إِمَامٌ، وَمَتَى كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْإِمَامُ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.

بَيَانُ الْمَقَامِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْوَلِيَّ فِي اللُّغَةِ قَدْ جَاءَ بِمَعْنَى النَّاصِرِ وَالْمُحِبِّ، كَمَا فِي قَوْلِهِ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ [التوبة: ٧١] وَجَاءَ بِمَعْنَى الْمُتَصَرِّفِ.

قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا»

فَنَقُولُ: هاهنا وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ لَفْظَ الْوَلِيُّ جَاءَ بِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ وَلَمْ يُعَيِّنِ اللَّه مُرَادَهُ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِمَا، فَوَجَبَ دَلَالَةُ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ مُتَصَرِّفُونَ فِي الْأُمَّةِ. الثَّانِي: أَنْ نَقُولَ: الْوَلِيُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بمعنى الناصر، فوجب أن يكون بمعنى التصرف، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى النَّاصِرِ، لِأَنَّ الْوَلَايَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرُ عَامَّةٍ فِي كُلِّ الْمُؤْمِنِينَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ بِكَلِمَةِ إِنَّما وَكَلِمَةُ إِنَّما لِلْحَصْرِ، كَقَوْلِهِ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ [النِّسَاءِ: ١٧١] والولاية بمعنى النصرة عامة لقوله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وهذا يوجب القطع بأن الولاية الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَتْ بِمَعْنَى النُّصْرَةِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ بِمَعْنَى النُّصْرَةِ كَانَتْ بِمَعْنَى التَّصَرُّفِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعْنًى/ سِوَى هَذَيْنِ، فَصَارَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ: إِنَّمَا الْمُتَصَرِّفُ فِيكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ هُوَ اللَّه وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ الْمَوْصُوفُونَ بِالصِّفَةِ الْفُلَانِيَّةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمَوْصُوفِينَ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُتَصَرِّفُونَ فِي جَمِيعِ الْأُمَّةِ، وَلَا مَعْنَى لِلْإِمَامِ إِلَّا الْإِنْسَانُ الَّذِي يَكُونُ مُتَصَرِّفًا فِي كُلِّ الْأُمَّةِ، فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا دَلَالَةُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الشَّخْصَ الْمَذْكُورَ فِيهَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ إِمَامَ الْأُمَّةِ.

أَمَّا بَيَانُ الْمَقَامُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ كُلَّ مَنْ أَثْبَتَ بِهَذِهِ الْآيَةِ إِمَامَةَ شَخْصٍ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ الشَّخْصَ هُوَ عَلِيٌّ، وَقَدْ ثَبَتَ بِمَا قَدَّمْنَا دَلَالَةُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إِمَامَةِ شَخْصٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّخْصُ هُوَ عَلِيٌّ، ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ. الثَّانِي: تَظَاهَرَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي حَقِّ عَلِيٍّ، وَلَا يُمْكِنُ الْمَصِيرُ إِلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ:

إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لِأَنَّهَا لَوْ نَزَلَتْ فِي حَقِّهِ لَدَلَّتْ عَلَى إِمَامَتِهِ، وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>