للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى الْكُلِّ، وَكَانَ مَأْمُورًا بِالتَّبْلِيغِ إِلَى الْكُلِّ، وَخُصَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الَّذِينَ يَخَافُونَ الْحَشْرَ، لِأَنَّ انْتِفَاعَهُمْ بِذَلِكَ الْإِنْذَارِ أَكَمَلُ، بِسَبَبِ أَنَّ خَوْفَهُمْ يَحْمِلُهُمْ عَلَى إِعْدَادِ الزَّادِ لِيَوْمِ الْمَعَادِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْمُجَسِّمَةُ تَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ وَهَذَا يَقْتَضِي كَوْنَ اللَّه تَعَالَى مُخْتَصًّا بِمَكَانٍ وَجِهَةٍ لِأَنَّ كَلِمَةَ (إِلَى) لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ.

وَالْجَوَابُ: الْمُرَادُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي جَعَلَهُ رَبُّهُمْ لِاجْتِمَاعِهِمْ وَلِلْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَوْضِعُ لَيْسَ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ كَأَنَّهُ قِيلَ: مُتَخَلِّينَ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شفيع، والعامل فيه يخافون. ثم هاهنا بَحْثٌ: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ الْكُفَّارَ، فَالْكَلَامُ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّه شُفَعَاءُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى كَانُوا يَقُولُونَ: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [الْمَائِدَةِ: ١٨] واللَّه كَذَّبَهُمْ فِيهِ وَذَكَرَ أَيْضًا فِي آيَةٍ أُخْرَى فَقَالَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ [غَافِرٍ: ١٨] وَقَالَ أَيْضًا فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ [الْمُدَّثِّرِ: ٤٨] وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمُسْلِمِينَ، فَنَقُولُ: قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَا يُنَافِي مَذْهَبَنَا فِي إِثْبَاتِ الشَّفَاعَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ شَفَاعَةَ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّسُلِ لِلْمُؤْمِنِينَ، إِنَّمَا تَكُونُ بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى لِقَوْلِهِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [الْبَقَرَةِ: ٢٥٥] فَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ الشَّفَاعَةُ بِإِذْنِ اللَّه، كَانَتْ فِي الْحَقِيقَةِ مِنَ اللَّه تَعَالَى.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ وَأَنْذِرْهُمْ لِكَيْ يَخَافُوا فِي الدُّنْيَا وَيَنْتَهُوا عَنِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي. قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ مِنَ الْكُفَّارِ التَّقْوَى وَالطَّاعَةَ، وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ قَدْ سَبَقَ مِرَارًا.

[[سورة الأنعام (٦) : آية ٥٢]]

وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢)

[في قَوْلُهُ تَعَالَى وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ] فِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:

رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ الْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ صُهَيْبٌ وَخَبَّابٌ وَبِلَالٌ وَعَمَّارٌ وَغَيْرُهُمْ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَرَضِيتَ بِهَؤُلَاءِ عَنْ قَوْمِكَ؟

أَفَنَحْنُ نَكُونُ تَبَعًا لِهَؤُلَاءِ؟ اطْرُدْهُمْ عَنْ نَفْسِكَ، فَلَعَلَّكَ إِنْ طَرَدْتَهُمُ اتَّبَعْنَاكَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ» فَقَالُوا فَأَقِمْهُمْ عَنَّا إِذَا جِئْنَا، فَإِذَا أَقَمْنَا فَأَقْعِدْهُمْ مَعَكَ إِنْ شِئْتَ، فَقَالَ «نَعَمْ» طَمَعًا فِي إِيمَانِهِمْ.

وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لَهُ: لَوْ فَعَلْتَ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى مَاذَا يَصِيرُونَ، ثُمَّ أَلَحُّوا وَقَالُوا لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اكْتُبْ لَنَا بِذَلِكَ كِتَابًا فَدَعَا بِالصَّحِيفَةِ وَبِعَلِيٍّ لِيَكْتُبَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَرَمَى الصَّحِيفَةَ، وَاعْتَذَرَ عُمَرُ عَنْ مَقَالَتِهِ، فَقَالَ سَلْمَانُ وَخَبَّابٌ: فِينَا نَزَلَتْ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْعُدُ مَعَنَا وَنَدْنُو مِنْهُ حَتَّى تَمَسَّ رُكْبَتُنَا رُكْبَتَهُ، وَكَانَ يَقُومُ عَنَّا إِذَا أَرَادَ الْقِيَامَ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ

[الْكَهْفِ: ٢٨] فَتَرَكَ الْقِيَامَ عَنَّا إِلَى أَنْ نَقُومَ عَنْهُ وَقَالَ: «الْحَمْدُ للَّه الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتَّى أَمَرَنِي أَنِ أَصْبِرَ نَفْسِيَ مَعَ قَوْمٍ مِنْ أُمَّتِي مَعَكُمُ الْمَحْيَا وَمَعَكُمُ الْمَمَاتُ» .

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: احْتَجَّ الطَّاعِنُونَ فِي عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>