للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السُّؤَالُ الثَّانِي: لَوْ خَافَ الرَّسُولُ مِنَ الْقِيَامِ عَنْهُمْ، هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ مَعَ ذَلِكَ؟

الْجَوَابُ: كُلُّ مَا أَوْجَبَ عَلَى الرَّسُولِ فِعْلَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ سَوَاءٌ ظَهَرَ أَثَرُ الْخَوْفِ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ فَإِنَّا إِنْ جَوَّزْنَا مِنْهُ ترك الواجب بسبب الخوف، سقط الاعتماد عن التَّكَالِيفِ الَّتِي بَلَّغَهَا إِلَيْنَا أَمَّا غَيْرُ الرَّسُولِ فَإِنَّهُ عِنْدَ شِدَّةِ الْخَوْفِ قَدْ يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ، لِأَنَّ إِقْدَامَهُ عَلَى التَّرْكِ لَا يُفْضِي إِلَى الْمَحْذُورِ الْمَذْكُورِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى يُفِيدُ أَنَّ التَّكْلِيفَ سَاقِطٌ عَنِ النَّاسِي قَالَ الْجُبَّائِيُّ: إِذَا كَانَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ يُوجِبُ سُقُوطَ التَّكْلِيفِ، فَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الشَّيْءِ أَوْلَى بِأَنْ يُوجِبَ سُقُوطَ التَّكْلِيفِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ لَا يَقَعُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ حَاصِلَةٌ قَبْلَ الْفِعْلِ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَحْصُلْ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ لَمَا كَانَتْ حَاصِلَةً قَبْلَ الْفِعْلِ. فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ الْكَافِرُ قَادِرًا عَلَى الْإِيمَانِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِالْإِيمَانِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ كَثُرَ ذِكْرُهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ مَعَ الْجَوَابِ فَلَا نُطَوِّلُ الْكَلَامَ بِذِكْرِ الْجَوَابِ. واللَّه أعلم.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٦٩ الى ٧٠]

وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٦٩) وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠)

[في قَوْلُهُ تَعَالَى وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ الْمُسْلِمُونَ لَئِنْ كُنَّا كُلَّمَا اسْتَهْزَأَ الْمُشْرِكُونَ بِالْقُرْآنِ وَخَاضُوا فِيهِ قُمْنَا عَنْهُمْ لَمَا قَدَرْنَا عَلَى أَنَّ نَجْلِسَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأَنْ نَطُوفَ بِالْبَيْتِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَحَصَلَتِ الرُّخْصَةُ فِيهَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَقْعُدُوا مَعَهُمْ وَيُذَكِّرُونَهُمْ وَيُفَهِّمُونَهُمْ. قَالَ وَمَعْنَى الْآيَةِ: وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ الشِّرْكَ وَالْكَبَائِرَ وَالْفَوَاحِشَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ آثَامِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى قَالَ الزَّجَّاجُ: قَوْلُهُ ذِكْرى يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ. أَمَّا كَوْنُهُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ ذِكْرَى أَيْ أَنْ تُذَكِّرُوهُمْ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ وَلَكِنَّ الَّذِي تَأْمُرُونَهُمْ به ذكرى، فعلى الوجه الأولى الذِّكْرَى بِمَعْنَى التَّذْكِيرِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: الذِّكْرَى تَكُونُ بِمَعْنَى الذِّكْرِ وَأَمَّا كَوْنُهُ فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ، فَالتَّقْدِيرُ ذَكِّرُوهُمْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.

وَالْمَعْنَى لَعَلَّ ذَلِكَ الذِّكْرَى يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْخَوْضِ فِي ذلك الفضول.

[في قَوْلُهُ تَعَالَى وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً إلى قوله بِما كانُوا يَكْفُرُونَ] قَوْلُهُ تَعَالَى: وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ/ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ.

اعْلَمْ أَنَّ هَؤُلَاءِ هُمُ الْمَذْكُورُونَ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا وَمَعْنَى ذِرْهُمْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَتْرُكَ إِنْذَارَهُمْ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ بَعْدَهُ: وَذَكِّرْ بِهِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَالْمُرَادُ تَرْكُ مُعَاشَرَتِهُمْ وَمُلَاطَفَتِهُمْ وَلَا يَتْرُكُ إِنْذَارَهُمْ وَتَخْوِيفَهُمْ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ الرَّسُولَ بِأَنْ يَتْرُكَ مَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِصِفَتَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>