للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ قَبِيحًا وَذَنْبًا قَبْلَ بَعْثَةِ الرُّسُلِ وَذَلِكَ هُوَ الْمَطْلُوبُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْفِعْلُ قَبِيحًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ لَا يَتِمُّ إِلَّا مَعَ الِاعْتِرَافِ بتحسين العقل وتقبيحه.

[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٣٢]]

وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٣٢)

فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ ابْنُ عامر وحده تعلمون بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ عَلَى الْغَيْبَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا شَرَحَ أَحْوَالَ أَهْلِ الثَّوَابِ وَالدَّرَجَاتِ وَأَحْوَالَ أَهْلِ الْعِقَابِ وَالدَّرَكَاتِ ذَكَرَ كَلَامًا كُلِّيًّا فَقَالَ: وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَفِي الْآيَةِ قَوْلَانِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ: وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا عَامٌّ فِي الْمُطِيعِ وَالْعَاصِي وَالتَّقْدِيرُ: وَلِكُلِّ عَامِلٍ عَمِلَ فَلَهُ فِي عَمَلِهِ دَرَجَاتٌ فَتَارَةً يَكُونُ فِي دَرَجَةٍ نَاقِصَةٍ وَتَارَةً يَتَرَقَّى مِنْهَا إِلَى دَرَجَةٍ كَامِلَةٍ وَأَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِهَا عَلَى التَّفْصِيلِ التَّامِّ فَرَتَّبَ عَلَى كُلِّ دَرَجَةٍ مِنْ تِلْكَ الدَّرَجَاتِ مَا يَلِيقُ بِهِ مِنَ الْجَزَاءِ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا مُخْتَصٌّ بِأَهْلِ الطَّاعَةِ لِأَنَّ لَفْظَ الدَّرَجَةِ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِهِمْ. وَقَوْلُهُ: وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تعملون مُخْتَصٌّ بِأَهْلِ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالصَّوَابُ هُوَ الْأَوَّلُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ أَيْضًا عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا فِي مَسْأَلَةِ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى حَكَمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ بِحَسَبِ فِعْلٍ مُعَيَّنٍ بِدَرَجَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَعَلِمَ تِلْكَ الدَّرَجَةَ بِعَيْنِهَا وَأَثْبَتَ تِلْكَ الدَّرَجَةَ الْمُعَيَّنَةَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ زُمَرَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ فَلَوْ لَمْ تَحْصُلْ تِلْكَ الدَّرَجَةُ لِذَلِكَ الْإِنْسَانِ لَبَطَلَ ذَلِكَ الْحُكْمُ وَلَصَارَ ذَلِكَ الْعِلْمُ جَهْلًا وَلَصَارَ ذَلِكَ الْإِشْهَادُ كَذِبًا وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَالٌ فَثَبَتَ أَنَّ لِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ

فَقَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

وَالسَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَالشَّقِيُّ مَنْ شقي في بطن امه.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٣٣ الى ١٣٤]

وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (١٣٣) إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (١٣٤)

[وربك الغني ذو الرحمة] فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ ثَوَابَ أَصْحَابِ الطَّاعَاتِ وَعِقَابَ أَصْحَابِ الْمَعَاصِي وَالْمُحَرَّمَاتِ وَذَكَرَ أَنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ دَرَجَةً مَخْصُوصَةً وَمَرْتَبَةً مُعَيَّنَةً بَيَّنَ أَنَّ تَخْصِيصَ الْمُطِيعِينَ بِالثَّوَابِ وَالْمُذْنِبِينَ بِالْعَذَابِ لَيْسَ لِأَجْلِ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى طَاعَةِ الْمُطِيعِينَ أَوْ يَنْتَقِصُ بِمَعْصِيَةِ الْمُذْنِبِينَ فَإِنَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ لِذَاتِهِ عَنْ جَمِيعِ الْعَالَمِينَ وَمَعَ كَوْنِهِ غَنِيًّا فَإِنَّ رَحْمَتَهُ عَامَّةٌ كَامِلَةٌ وَلَا سَبِيلَ إِلَى تَرْتِيبِ هَذِهِ الْأَرْوَاحِ الْبَشَرِيَّةِ وَالنُّفُوسِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَإِيصَالِهَا إِلَى دَرَجَاتِ السُّعَدَاءِ الْأَبْرَارِ إِلَّا بِتَرْتِيبِ التَّرْغِيبِ فِي الطَّاعَاتِ وَالتَّرْهِيبِ عَنِ الْمَحْظُورَاتِ فَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>