للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْفَرْشِ. وَالثَّانِي: الْحَمُولَةُ- الْكِبَارُ الَّتِي تَصْلُحُ لِلْحَمْلِ وَالْفَرْشُ- الصِّغَارُ كَالْفُصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ وَالْغَنَمِ لِأَنَّهَا دَانِيَةٌ مِنَ الْأَرْضِ بِسَبَبِ صِغَرِ أَجْرَامِهَا مِثْلَ الْفَرْشِ الْمَفْرُوشِ عَلَيْهَا.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ يُرِيدُ مَا أَحَلَّهَا لَكُمْ. قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: إِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِأَكْلِ الرِّزْقِ وَمَنَعَ مِنْ أَكْلِ الْحَرَامِ يَنْتُجُ أَنَّ الرِّزْقَ لَيْسَ بِحَرَامٍ.

ثُمَّ قَالَ: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ أَيْ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ كَمَا فَعَلَهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ خُطُواتِ جَمْعُ خُطْوَةٍ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ قَالَ الزَّجَّاجُ: وَفِي خُطُواتِ الشَّيْطانِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: بِضَمِّ الطَّاءِ وَفَتْحِهَا وَبِإِسْكَانِهَا وَمَعْنَاهُ: طُرُقُ الشَّيْطَانِ أَيْ لَا تَسْلُكُوا الطَّرِيقَ الَّذِي يُسَوِّلُهُ لَكُمُ الشَّيْطَانُ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ أَيْ بَيِّنُ الْعَدَاوَةِ أَخْرَجَ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ وَهُوَ الْقَائِلُ: لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا [الْإِسْرَاءِ: ٦٢] .

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ وَفِيهِ بَحْثَانِ:

الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: فِي انْتِصَابِ قَوْلِهِ: ثَمانِيَةَ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: قَالَ الْفَرَّاءُ: انْتَصَبَ ثَمَانِيَةَ بِالْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ:

حَمُولَةً وَفَرْشاً وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ.

الْبَحْثُ الثَّانِي: الْوَاحِدُ إِذَا كَانَ وَحْدَهُ فَهُوَ فَرْدٌ فَإِذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ مِنْ جِنْسِهِ سُمِّيَ زَوْجًا وَهُمَا زَوْجَانِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى [النَّجْمِ: ٤٥] وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ ثُمَّ فَسَّرَهَا بِقَوْلِهِ:

مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ... وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ.

ثُمَّ قال: مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ [إلى قوله أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ] يَعْنِي الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالضَّأْنُ ذَوَاتُ الصُّوفِ مِنَ الْغَنَمِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَهِيَ جَمْعُ ضَائِنٍ وَضَائِنَةٍ مِثْلَ تَاجِرٍ وَتَاجِرَةٍ وَيُجْمَعُ الضَّأْنُ أَيْضًا عَلَى الضِّئِينِ بِكَسْرِ الضَّادِ وَفَتْحِهَا وَقَوْلُهُ: وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُرِئَ وَمِنَ الْمَعْزِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْمَعْزُ ذوات الشعر من الغنم ويقال للواحد: ما عز وَلِلْجَمْعِ: مِعْزَى. فَمَنْ قَرَأَ الْمَعْزِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فهو جمع ما عز مِثْلَ خَادِمٍ وَخَدَمٍ وَطَالِبٍ وَطَلَبٍ وَحَارِسٍ وَحَرَسٍ. وَمَنْ قَرَأَ بِسُكُونِ الْعَيْنِ فَهُوَ أَيْضًا جَمْعُ ما عز كَصَاحِبٍ وَصَحْبٍ وَتَاجِرٍ وَتَجْرٍ وَرَاكِبٍ وَرَكْبٍ. وَأَمَّا انْتِصَابُ اثْنَيْنِ فَلِأَنَّ تَقْدِيرَ الْآيَةِ أَنْشَأَ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ أَنْشَأَ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ وَقَوْلُهُ: قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ نَصَبَ الذَّكَرَيْنِ بِقَوْلِهِ: / حَرَّمَ وَالِاسْتِفْهَامُ يَعْمَلُ فِيهِ مَا بَعْدَهُ وَلَا يَعْمَلُ فِيهِ مَا قَبْلَهُ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُحَرِّمُونَ بَعْضَ الْأَنْعَامِ فَاحْتَجَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى إِبْطَالِ قَوْلِهِمْ بِأَنْ ذَكَرَ الضَّأْنَ وَالْمَعْزَ وَالْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَذَكَرَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ زَوْجَيْنِ ذَكَرًا وَأُنْثَى.

ثُمَّ قَالَ إنْ كَانَ حَرَّمَ مِنْهَا الذَّكَرَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ ذُكُورِهَا حَرَامًا وَإِنْ كَانَ حَرَّمَ الْأُنْثَى وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ إِنَاثِهَا حَرَامًا وَقَوْلُهُ: أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ تَقْدِيرُهُ: إِنْ كَانَ حَرَّمَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ وَجَبَ تَحْرِيمُ الْأَوْلَادِ كُلِّهَا لِأَنَّ الْأَرْحَامَ تَشْتَمِلُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ هَذَا مَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ عِنْدِي بَعِيدٌ جِدًّا لِأَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَبْ أَنَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ الْأَرْبَعَةَ أَعْنِي: الضَّأْنَ وَالْمَعْزَ وَالْإِبِلَ وَالْبَقَرَ مَحْصُورَةٌ فِي الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عِلَّةُ تَحْرِيمِ مَا حَكَمُوا بِتَحْرِيمِهِ مَحْصُورَةً فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ بَلْ عِلَّةُ تَحْرِيمِهَا كَوْنُهَا بَحِيرَةً أَوْ سَائِبَةً أَوْ وَصِيلَةً أَوْ حَامًا أَوْ سَائِرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>