للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَلِبَاسًا يُزَيِّنُكُمْ لِأَنَّ الزِّينَةَ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَمَا قَالَ: لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً [النَّحْلِ: ٨] وَقَالَ: وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ [النَّحْلِ: ٦] .

الْبَحْثُ الثَّانِي: رُوِيَ عَنْ عَاصِمٍ رِوَايَةٌ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ وَرِيَاشًا وَهُوَ مَرْوِيٌّ أَيْضًا عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْبَاقُونَ وَرِيشاً وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الريش والرياش فقيل: رياش جمع ريش وكذياب وَذَيبٍ وَقِدَاحٍ وَقِدْحٍ وَشِعَابٍ وَشِعْبٍ وَقِيلَ: هُمَا وَاحِدٌ كَلِبَاسٍ وَلِبْسٍ وَجِلَالٍ وَجِلٍّ رَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ:

كُلُّ شَيْءٍ يَعِيشُ بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ مَتَاعٍ أَوْ مَالٍ أَوْ مَأْكُولٍ فَهُوَ رِيشٌ وَرِيَاشٌ وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الرِّيَاشُ مُخْتَصٌّ بِالثِّيَابِ وَالْأَثَاثِ وَالرِّيشُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى سَائِرِ الْأَمْوَالِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِباسُ التَّقْوى فِيهِ بَحْثَانِ:

الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَلِبَاسَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: لِباساً وَالْعَامِلُ فِيهِ أَنْزَلْنا وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَقَوْلُهُ: ذلِكَ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ: خَيْرٌ خَبَرُهُ وَالْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَقَوْلُهُ:

وَلِباسُ التَّقْوى مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ: ذلِكَ صِفَةٌ أَوْ بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ وَقَوْلُهُ: خَيْرٌ خَبَرٌ لِقَوْلِهِ: وَلِباسُ التَّقْوى وَمَعْنَى قَوْلِنَا صِفَةٌ أَنَّ قَوْلَهُ: ذلِكَ أُشِيرَ بِهِ إِلَى اللِّبَاسِ كَأَنَّهُ قِيلَ وَلِبَاسُ التَّقْوَى الْمُشَارُ إِلَيْهِ خَيْرٌ.

الْبَحْثُ الثَّانِي: اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: وَلِباسُ التَّقْوى وَالضَّابِطُ فِيهِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى/ نَفْسِ الْمَلْبُوسِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى غَيْرِهِ.

أَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: فَفِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: إِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ اللِّبَاسَ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِيُوَارِيَ سَوْآتِكُمْ هُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلِبَاسُ التَّقْوَى هُوَ اللِّبَاسُ الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا أَعَادَهُ اللَّهُ لِأَجْلِ أَنْ يُخْبِرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ خَيْرٌ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَعَبَّدُونَ بِالتَّعَرِّي وَخَلْعِ الثِّيَابِ فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَجَرَى هَذَا فِي التَّكْرِيرِ مَجْرَى قَوْلِ الْقَائِلِ: قَدْ عَرَّفْتُكَ الصِّدْقَ فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ وَالصِّدْقُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ غَيْرِهِ فَيُعِيدُ ذِكْرَ الصِّدْقِ لِيُخْبِرَ عَنْهُ بِهَذَا الْمَعْنَى. وَثَانِيهَا: إِنَّ الْمُرَادَ مِنْ لِبَاسِ التقوى ما يلبس من الدورع والجوشن وَالْمَغَافِرِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُتَّقَى بِهِ فِي الْحُرُوبِ وَثَالِثُهَا: الْمُرَادُ مِنْ لِبَاسِ التَّقْوَى الْمَلْبُوسَاتُ الْمُعَدَّةُ لأجل اقامة الصلوات والقول الثَّانِي: أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: وَلِباسُ التَّقْوى عَلَى الْمَجَازَاتِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ جريح: لباس التقوى الايمان. وقال ابن عباس: ولباس التَّقْوَى الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَقِيلَ هُوَ السَّمْتُ الْحَسَنُ وَقِيلَ هُوَ الْعَفَافُ وَالتَّوْحِيدُ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا تَبْدُو عَوْرَتُهُ وَإِنْ كَانَ عَارِيًا مِنَ الثِّيَابِ وَالْفَاجِرُ لَا تَزَالُ عَوْرَتُهُ مَكْشُوفَةً وَإِنْ كَانَ كَاسِيًا وَقَالَ مَعْبَدٌ هُوَ الْحَيَاءُ. وَقِيلَ هُوَ مَا يَظْهَرُ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنَ السَّكِينَةِ وَالْإِخْبَاتِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَإِنَّمَا حَمَلْنَا لَفْظَ اللِّبَاسِ عَلَى هَذِهِ الْمَجَازَاتِ لِأَنَّ اللِّبَاسَ الَّذِي يُفِيدُ التَّقْوَى لَيْسَ إِلَّا هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أَمَّا قَوْلُهُ:

ذلِكَ خَيْرٌ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: مَعْنَى الْآيَةِ وَلِبَاسُ التَّقْوَى خَيْرٌ لِصَاحِبِهِ إِذَا أَخَذَ بِهِ وَأَقْرَبُ لَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا خَلَقَ مِنَ اللِّبَاسِ وَالرِّيَاشِ الَّذِي يَتَجَمَّلُ بِهِ. قَالَ: وَأُضِيفَ اللِّبَاسُ إِلَى التَّقْوَى كَمَا أُضِيفَ إِلَى الْجُوعِ فِي قَوْلِهِ: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ [النَّحْلِ: ١١٢] وَقَوْلِهِ: ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَعْنَاهُ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الدَّالَّةِ عَلَى فَضْلِهِ ورحمته على عباده يعني إنزال عَلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ فَيَعْرِفُونَ عَظِيمَ النِّعْمَةِ فِيهِ.

[[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٧]]

يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>