للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى كُتِبَتْ بِالْيَاءِ لِأَنَّهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ فَأَشْبَهَتْ سَكْرَى. وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: لَا يَجُوزُ إِمَالَةُ حَتَّى لِأَنَّهَا حَرْفٌ لَا يَتَصَرَّفُ وَالْإِمَالَةُ ضَرْبٌ مِنَ التَّصَرُّفِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ فِيهِ قَوْلَانِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ هُوَ قَبْضُ الْأَرْوَاحِ لِأَنَّ لَفْظَ الْوَفَاةِ يُفِيدُ هَذَا الْمَعْنَى. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمَوْتُ قِيَامَةُ الْكَافِرِ فَالْمَلَائِكَةُ يُطَالِبُونَهُمْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عِنْدَ الْمَوْتِ عَلَى سَبِيلِ الزَّجْرِ وَالتَّوْبِيخِ وَالتَّهْدِيدِ وَهَؤُلَاءِ الرُّسُلُ هُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ وَأَعْوَانُهُ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الزَّجَّاجِ أَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ فِي الْآخِرَةِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا أَيْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ يَتَوَفَّوْنَهُمْ أَيْ يَتَوَفَّوْنَ مُدَّتَهُمْ عِنْدَ حَشْرِهِمْ إِلَى/ النَّارِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ يَسْتَكْمِلُونَ عِدَّتَهُمْ حَتَّى لَا يَنْفَلِتَ مِنْهُمْ أَحَدٌ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: أَيْنَ مَا كُنْتُمْ مَعْنَاهُ أَيْنَ الشُّرَكَاءُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَدْعُونَهُمْ وَتَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ.

وَلَفْظَةُ «مَا» وَقَعَتْ مَوْصُولَةً بِأَيْنَ فِي خَطِّ الْمُصْحَفِ. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : وَكَانَ حَقُّهَا أَنْ تُفْصَلَ لِأَنَّهَا مَوْصُولَةٌ بِمَعْنَى: أَيْنَ الْآلِهَةُ الَّذِينَ تَدْعُونَ.

ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: ضَلُّوا عَنَّا أَيْ بَطَلُوا وَذَهَبُوا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْمَوْتِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ عَلَى جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَالْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ زَجْرُ الْكُفَّارِ عَنِ الْكُفْرِ لِأَنَّ التهويل يذكر هَذِهِ الْأَحْوَالِ مِمَّا يَحْمِلُ الْعَاقِلَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَالتَّسَدُّدِ فِي الِاحْتِرَازِ عَنِ التقليد.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٣٨ الى ٣٩]

قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (٣٨) وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٣٩)

اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ بَقِيَّةِ شَرْحِ أَحْوَالِ الْكُفَّارِ وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى يُدْخِلُهُمُ النَّارَ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: قالَ ادْخُلُوا فَفِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ذَلِكَ. وَالثَّانِي: قَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ مِنْ كَلَامِ خَازِنِ النَّارِ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى هَلْ يَتَكَلَّمُ مَعَ الْكُفَّارِ أَمْ لَا وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِالِاسْتِقْصَاءِ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: التَّقْدِيرُ: ادْخُلُوا فِي النَّارِ مَعَ أُمَمٍ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَفِي الْآيَةِ إِضْمَارٌ وَمَجَازٌ أَمَّا الْإِضْمَارُ فَلِأَنَّا أَضْمَرْنَا فِيهَا قَوْلَنَا: فِي النَّارِ. وَأَمَّا الْمَجَازُ فَلِأَنَّا حَمَلْنَا كَلِمَةَ «فِي» عَلَى «مَعَ» لِأَنَّا قُلْنَا مَعْنَى قَوْلِهِ: فِي أُمَمٍ أَيْ مَعَ أُمَمٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَلْتَزِمَ الْإِضْمَارَ وَلَا يَلْتَزِمَ الْمَجَازَ وَالتَّقْدِيرُ: ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ فِي النار ومعنى

<<  <  ج: ص:  >  >>