للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهَ وَعَبَدُوا الْأَصْنَامَ فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ صَالِحًا وَكَانَ مِنْهُمْ فَطَالَبُوهُ بِالْمُعْجِزَةِ فَقَالَ: مَا تُرِيدُونَ فَقَالُوا:

تَخْرُجُ مَعَنَا فِي عِيدِنَا وَنُخْرِجُ أَصْنَامَنَا وَتَسْأَلُ إِلَهَكَ وَنَسْأَلُ أَصْنَامَنَا فَإِذَا ظَهَرَ أَثَرُ دُعَائِكَ اتَّبَعْنَاكَ وَإِنْ ظَهَرَ أَثَرُ دُعَائِنَا اتَّبَعْتَنَا فَخَرَجَ مَعَهُمْ فَسَأَلُوهُ أَنْ يُخْرِجَ لَهُمْ نَاقَةً كَبِيرَةً مِنْ صَخْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ أَنَّهُ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ آمَنُوا فَقَبِلُوا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَدَعَا اللَّهَ فَتَمَخَّضَتْ تِلْكَ الصَّخْرَةُ كَمَا تَتَمَخَّضُ الْحَامِلُ ثُمَّ انْفَرَجَتْ وَخَرَجَتِ النَّاقَةُ مِنْ وَسَطِهَا وَكَانَتْ فِي غَايَةِ الْكِبَرِ وَكَانَ الْمَاءُ عِنْدَهُمْ قَلِيلًا فَجَعَلُوا ذَلِكَ الْمَاءَ بِالْكُلِّيَّةِ شِرْبًا لَهَا فِي يَوْمٍ وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي شِرْبًا لِكُلِّ الْقَوْمِ قَالَ السُّدِّيُّ: وَكَانَتِ النَّاقَةُ فِي الْيَوْمِ الَّتِي تَشْرَبُ فِيهِ الْمَاءَ تَمُرُّ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ فَتَعْلُوهُمَا ثُمَّ تَأْتِي فَتَشْرَبُ فَتَحْلِبُ مَا يَكْفِي الْكُلَّ وَكَأَنَّهَا كَانَتْ تَصُبُّ اللَّبَنَ صَبًّا وَفِي الْيَوْمِ الَّذِي يَشْرَبُونَ الْمَاءَ فِيهِ لَا تَأْتِيهِمْ وَكَانَ مَعَهَا فَصِيلٌ لَهَا فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: يُولَدُ فِي شَهْرِكُمْ هَذَا غُلَامٌ يَكُونُ هَلَاكُكُمْ عَلَى يَدَيْهِ فَذَبَحَ تِسْعَةُ نَفَرٍ مِنْهُمْ أَبْنَاءَهُمْ ثُمَّ وُلِدَ الْعَاشِرُ فَأَبَى أَنْ يَذْبَحَهُ أَبُوهُ فَنَبَتَ نَبَاتًا سَرِيعًا وَلَمَّا كَبِرَ الْغُلَامُ جَلَسَ مَعَ قَوْمٍ يُصِيبُونَ مِنَ الشَّرَابِ فَأَرَادُوا مَاءً يَمْزُجُونَهُ بِهِ وَكَانَ يَوْمُ شِرْبِ النَّاقَةِ فَمَا وَجَدُوا الْمَاءَ وَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ الْغُلَامُ: هَلْ لَكُمْ فِي أَنْ أَعْقِرَ هَذِهِ النَّاقَةَ؟ فَشَدَّ عَلَيْهَا فَلَمَّا بَصُرَتْ بِهِ شَدَّتْ عَلَيْهِ فَهَرَبَ مِنْهَا إِلَى خَلْفِ صَخْرَةٍ فَأَحَاشُوهَا عَلَيْهِ فَلَمَّا مَرَّتْ بِهِ تَنَاوَلَهَا فَعَقَرَهَا فَسَقَطَتْ فَذَلِكَ قوله: فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ وأظهروا حينئذ كفرهم وعتوا من أَمْرِ رَبِّهِمْ فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: إِنَّ آيَةَ الْعَذَابِ أَنْ تُصْبِحُوا غَدًا حُمْرًا وَالْيَوْمَ الثَّانِيَ صُفْرًا وَالْيَوْمَ الثَّالِثَ سُودًا فَلَمَّا صَبَّحَهُمُ الْعَذَابُ تَحَنَّطُوا وَاسْتَعَدُّوا.

إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَجْهِ كَوْنِ النَّاقَةِ آيَةً فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا كَانَتْ آيَةً بِسَبَبِ خُرُوجِهَا بِكَمَالِهَا مِنَ الصَّخْرَةِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا إِنْ صَحَّ فَهُوَ مُعْجِزٌ مِنْ جِهَاتٍ: أَحَدُهَا: خُرُوجُهَا مِنَ الْجَبَلِ وَالثَّانِيَةُ: كَوْنُهَا لَا مِنْ ذِكْرٍ وَأُنْثَى وَالثَّالِثَةُ: كَمَالُ خَلْقِهَا مِنْ غَيْرِ تَدْرِيجٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهَا إِنَّمَا كَانَتْ آيَةً لِأَجْلِ أَنَّ لَهَا شِرْبُ يَوْمٍ وَلِجَمِيعِ ثَمُودَ شِرْبُ يَوْمٍ وَاسْتِيفَاءُ نَاقَةٍ شِرْبَ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ عَجِيبٌ وَكَانَتْ مَعَ ذَلِكَ تَأْتِي بِمَا يَلِيقُ بِذَلِكَ الْمَاءِ مِنَ/ الْكَلَأِ وَالْحَشِيشِ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إِنَّ وَجْهَ الْإِعْجَازِ فِيهَا أَنَّهُمْ كَانُوا فِي يَوْمِ شِرْبِهَا يَحْلُبُونَ مِنْهَا الْقَدْرَ الَّذِي يَقُومُ لَهُمْ مَقَامَ الْمَاءِ فِي يَوْمِ شِرْبِهِمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: بِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ إِنَّهَا لَمْ تَحْلُبْ قَطْرَةَ لَبَنٍ قَطُّ، وَهَذَا الْكَلَامُ مُنَافٍ لِمَا تَقَدَّمَ.

وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ وَجْهَ الْإِعْجَازِ فِيهَا أَنَّ يَوْمَ مَجِيئِهَا إِلَى الْمَاءِ كَانَ جَمِيعُ الْحَيَوَانَاتِ تَمْتَنِعُ مِنَ الْوُرُودِ عَلَى الْمَاءِ، وَفِي يَوْمِ امْتِنَاعِهَا كَانَتِ الْحَيَوَانَاتُ تَأْتِي.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ فِيهَا آيَةً، فَأَمَّا ذِكْرُ أَنَّهَا كَانَتْ آيَةً مِنْ أَيِّ الْوُجُوهِ فَهُوَ غَيْرُ مَذْكُورٍ وَالْعِلْمُ حَاصِلٌ بِأَنَّهَا كَانَتْ مُعْجِزَةً مِنْ وَجْهٍ مَا لَا مَحَالَةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَقَوْلُهُ: آيَةً نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ أُشِيرَ إِلَيْهَا فِي حَالِ كَوْنِهَا آية، ولفظة (هذه) تتضمن معنى الإشارة، وآيَةً فِي مَعْنَى دَالَّةٍ. فَلِهَذَا جَازَ أَنْ تَكُونَ حَالًا.

فَإِنْ قِيلَ: تِلْكَ النَّاقَةُ كَانَتْ آيَةً لِكُلِّ أَحَدٍ، فَلِمَاذَا خَصَّ أُولَئِكَ الْأَقْوَامَ بِهَا؟ فَقَالَ: هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>