للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي حَقِيقَةِ النِّفَاقِ لَا يَتَخَلَّصُ إِلَّا بِتَقْسِيمٍ نَذْكُرُهُ فَنَقُولُ: أَحْوَالُ الْقَلْبِ أَرْبَعَةٌ، وَهِيَ الِاعْتِقَادُ الْمُطَابِقُ الْمُسْتَفَادُ عَنِ الدَّلِيلِ وَهُوَ الْعِلْمُ، وَالِاعْتِقَادُ الْمُطَابِقُ الْمُسْتَفَادُ لَا عَنِ الدَّلِيلِ وَهُوَ اعْتِقَادُ الْمُقَلِّدِ، وَالِاعْتِقَادُ الغير الْمُطَابِقِ وَهُوَ الْجَهْلُ، وَخُلُوُّ الْقَلْبِ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ. فَهَذِهِ أَقْسَامٌ أَرْبَعَةٌ، وَأَمَّا أَحْوَالُ اللِّسَانِ فَثَلَاثَةٌ: الْإِقْرَارُ، وَالْإِنْكَارُ، وَالسُّكُوتُ. فَيَحْصُلُ مِنْ تَرْكِيبَاتِهَا اثْنَا عَشَرَ قِسْمًا. النَّوْعُ الْأَوَّلُ: مَا إِذَا حَصَلَ الْعِرْفَانُ الْقَلْبِيُّ فَهَهُنَا إِمَّا أَنْ يَنْضَمَّ إِلَيْهِ الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ أَوِ الْإِنْكَارُ بِاللِّسَانِ أَوِ السُّكُوتُ. الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: مَا إِذَا حَصَلَ الْعِرْفَانُ بِالْقَلْبِ وَالْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ فَهَذَا الْإِقْرَارُ إِنْ كَانَ اخْتِيَارِيًّا فَصَاحِبُهُ مُؤْمِنٌ حَقًّا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ اضْطِرَارِيًّا وَهُوَ مَا إِذَا عَرَفَ بِقَلْبِهِ وَلَكِنَّهُ يَجِدُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَوْلَا الْخَوْفُ لَمَا أَقَرَّ، بَلْ أَنْكَرَ، فَهَذَا يَجِبُ أَنْ يُعَدَّ مُنَافِقًا، لِأَنَّهُ بِقَلْبِهِ مُنْكِرٌ مُكَذِّبٌ، فَإِذَا كَانَ بِاللِّسَانِ مُقِرًّا مُصَدِّقًا وَجَبَ أَنْ يُعَدَّ مُنَافِقًا لِأَنَّهُ بِقَلْبِهِ مُنْكِرٌ مُكَذِّبٌ بِوُجُوبِ الْإِقْرَارِ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَحْصُلَ الْعِرْفَانُ الْقَلْبِيُّ وَالْإِنْكَارُ اللِّسَانِيُّ/ فَهَذَا الْإِنْكَارُ إِنْ كَانَ اضْطِرَارِيًّا كَانَ صَاحِبُهُ مُسْلِمًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [النَّحْلِ: ١٠٦] وَإِنْ كَانَ اخْتِيَارِيًّا كَانَ كَافِرًا مُعَانِدًا. الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَحْصُلَ الْعِرْفَانُ الْقَلْبِيُّ وَيَكُونُ اللِّسَانُ خَالِيًا عَنِ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، فَهَذَا السُّكُوتُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ اضْطِرَارِيًّا أَوِ اخْتِيَارِيًّا، فَإِنْ كَانَ اضْطِرَارِيًّا فَذَلِكَ إِذَا خَافَ ذَكَرَهُ بِاللِّسَانِ فَهَذَا مُسْلِمٌ حَقًّا أَوْ كَمَا إِذَا عَرَفَ اللَّهَ بِدَلِيلِهِ ثُمَّ لَمَّا تَمَّمَ النَّظَرَ مَاتَ فَجْأَةً، فَهَذَا مُؤْمِنٌ قَطْعًا، لِأَنَّهُ أَتَى بِكُلِّ مَا كُلِّفَ بِهِ وَلَمْ يَجِدْ زَمَانَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ فَكَانَ مَعْذُورًا فِيهِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ اخْتِيَارِيًّا فَهُوَ كَمَنْ عَرَفَ اللَّهَ بِدَلِيلِهِ ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْإِقْرَارِ، فَهَذَا مَحَلُّ الْبَحْثِ، وَمَيْلُ الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى أَنَّهُ يَكُونُ مُؤْمِنًا

لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ»

وَهَذَا الرَّجُلُ قَلْبُهُ مَمْلُوءٌ مِنْ نُورِ الْإِيمَانِ فَكَيْفَ لَا يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ. النَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يَحْصُلَ فِي الْقَلْبِ الِاعْتِقَادُ التَّقْلِيدِيُّ، فَإِمَّا أَنْ يُوجَدَ مَعَهُ الْإِقْرَارُ، أَوِ الْإِنْكَارُ أَوِ السُّكُوتُ. الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: أَنْ يُوجَدَ مَعَهُ الْإِقْرَارُ، ثُمَّ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ إِنْ كَانَ اخْتِيَارِيًّا فَهَذَا هُوَ الْمَسْأَلَةُ الْمَشْهُورَةُ مِنْ أَنَّ الْمُقَلِّدَ هَلْ هُوَ مُؤْمِنٌ أَمْ لَا؟ وَإِنْ كَانَ اضْطِرَارِيًّا فَهَذَا يُفَرَّعُ عَلَى الصُّورَةِ الْأُولَى، فَإِنْ حَكَمْنَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بِالْكُفْرِ، فهاهنا لَا كَلَامَ، وَإِنْ حَكَمْنَا هُنَاكَ بِالْإِيمَانِ وَجَبَ أن يحكم هاهنا بِالنِّفَاقِ، لِأَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ كَانَ القلب عرفاً لَكَانَ هَذَا الشَّخْصُ مُنَافِقًا، فَبِأَنْ يَكُونَ مُنَافِقًا عِنْدَ التَّقْلِيدِ كَانَ أَوْلَى. الْقِسْمُ الثَّانِي: الِاعْتِقَادُ التَّقْلِيدِيُّ مَعَ الْإِنْكَارِ اللِّسَانِيِّ، ثُمَّ هَذَا الْإِنْكَارُ إِنْ كَانَ اخْتِيَارِيًّا فَلَا شَكَّ فِي الْكُفْرِ، وَإِنْ كَانَ اضْطِرَارِيًّا وَحَكَمْنَا بِإِيمَانِ الْمُقَلِّدِ وَجَبَ أَنْ نَحْكُمَ بِالْإِيمَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. الْقِسْمُ الثَّالِثُ: الِاعْتِقَادُ التَّقْلِيدِيُّ مَعَ السُّكُوتِ اضْطِرَارِيًّا كَانَ أَوِ اخْتِيَارِيًّا، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنَ النَّوْعِ الْأَوَّلِ إِذَا حَكَمْنَا بِإِيمَانِ الْمُقَلِّدِ. النَّوْعُ الثَّالِثُ: الْإِنْكَارُ الْقَلْبِيُّ فَإِمَّا أَنْ يُوجَدَ مَعَهُ الْإِقْرَارُ اللِّسَانِيُّ، أَوِ الْإِنْكَارُ اللِّسَانِيُّ، أَوِ السُّكُوتُ. الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: أَنْ يُوجَدَ مَعَهُ الْإِقْرَارُ اللِّسَانِيُّ، فَذَلِكَ الْإِقْرَارُ إِنْ كَانَ اضْطِرَارِيًّا فَهُوَ الْمُنَافِقُ وَإِنْ كَانَ اخْتِيَارِيًّا فَهُوَ مِثْلُ أَنْ يَعْتَقِدَ بِنَاءً عَلَى شُبْهَةٍ أَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ ثُمَّ بِالِاخْتِيَارِ أَقَرَّ بِاللِّسَانِ أَنَّ الْعَالَمَ مُحْدَثٌ، وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ، لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ أَنْ يَعْرِفَ بِالْقَلْبِ ثُمَّ يُنْكِرَ بِاللِّسَانِ وَهُوَ كُفْرُ الْجُحُودِ وَالْعِنَادِ، فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْهَلَ بِالْقَلْبِ ثُمَّ يُقِرَّ بِاللِّسَانِ؟ فَهَذَا الْقِسْمُ أَيْضًا مِنَ النِّفَاقِ. الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُوجَدَ الْإِنْكَارُ الْقَلْبِيُّ وَيُوجَدَ الْإِنْكَارُ اللِّسَانِيُّ فَهَذَا كَافِرٌ وَلَيْسَ بِمُنَافِقٍ، لِأَنَّهُ مَا أَظْهَرَ شَيْئًا بِخِلَافِ بَاطِنِهِ. الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يُوجَدَ الْإِنْكَارُ الْقَلْبِيُّ مَعَ السُّكُوتِ اللساني فهذا كافر وليس بمنافق لأنه ما أَظْهَرَ شَيْئًا. النَّوْعُ الرَّابِعُ: الْقَلْبُ الْخَالِي عَنْ جَمِيعِ الِاعْتِقَادَاتِ فَهَذَا إِمَّا أَنْ يُوجَدَ مَعَهُ الْإِقْرَارُ أَوِ الْإِنْكَارُ أَوِ السُّكُوتُ. الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: إِذَا وُجِدَ الْإِقْرَارُ فَهَذَا