للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَضُرُّوا الرَّسُولَ لِأَنَّ اللَّهَ عَصَمَهُ مِنَ النَّاسِ، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَخْذُلُهُ إِنْ تَثَاقَلْتُمْ عَنْهُ.

ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى شِدَّةِ الزَّجْرِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْعَجْزُ، فَإِذَا تَوَعَّدَ بِالْعِقَابِ فَعَلَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ الْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً [التَّوْبَةِ: ١٢٢] قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ خِطَابٌ لِمَنِ اسْتَنْفَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَنْفِرُوا، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا نَسْخَ. قَالَ الْجُبَّائِيُّ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى وَعِيدِ أَهْلِ الصَّلَاةِ حَيْثُ بَيَّنَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ لَمْ يَنْفِرُوا يُعَذِّبْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَهُوَ عَذَابُ النَّارِ، فَإِنَّ تَرْكَ الْجِهَادِ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فبطل بذلك قَوْلِ الْمُرْجِئَةِ إِنَّ أَهَّلَ الصَّلَاةِ لَا وَعِيدَ لَهُمْ، وَإِذَا ثَبَتَ الْوَعِيدُ لَهُمْ فِي تَرْكِ الْجِهَادِ/ فَكَذَا فِي غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْوَعِيدِ ذَكَرْنَاهَا بِالِاسْتِقْصَاءِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الْجِهَادِ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَ الرَّسُولِ أَوْ لَا مَعَهُ، لِأَنَّهُ تعالى قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْقَائِلَ هُوَ الرَّسُولُ.

فَإِنْ قَالُوا: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُوَ الرَّسُولَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ولقوله: وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ إِلَّا الرَّسُولَ.

قُلْنَا: خُصُوصُ آخَرِ الْآيَةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ عُمُومِ أَوَّلِهَا عَلَى مَا قَرَّرْنَا في أصول الفقه.

[[سورة التوبة (٩) : آية ٤٠]]

إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠)

اعلم أَنَّ هَذَا ذِكْرُ طَرِيقٍ آخَرَ فِي تَرْغِيبِهِمْ فِي الْجِهَادِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَنْفِرُوا بِاسْتِنْفَارِهِ، وَلَمْ يَشْتَغِلُوا بِنُصْرَتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصُرُهُ بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ نَصَرَهُ وَقَوَّاهُ، حَالَ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَهَهُنَا أَوْلَى، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: كَيْفَ يَكُونُ قَوْلُهُ: فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ جَوَابًا لِلشَّرْطِ؟

وَجَوَابُهُ أَنَّ التَّقْدِيرَ إِلَّا تَنْصُرُوهُ، فسينصره من نصره حين مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَلَا أَقَلَّ مِنَ الْوَاحِدِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَنْصُرُهُ الْآنَ كَمَا نَصَرَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَعْنِي قَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَكَّةَ وَقَوْلُهُ: ثانِيَ اثْنَيْنِ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، أَيْ فِي الْحَالِ الَّتِي كَانَ فِيهَا ثانِيَ اثْنَيْنِ وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ:

ثانِيَ اثْنَيْنِ سَبَقَ فِي قَوْلِهِ: ثالِثُ ثَلاثَةٍ [الْمَائِدَةِ: ٧٣] وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ أَنَّهُ إِذَا حَضَرَ اثْنَانِ فَكُلُّ/ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ ثَانِيًا فِي ذَيْنِكَ الِاثْنَيْنِ الآخر فَلِهَذَا السَّبَبِ قَالُوا: يُقَالُ فُلَانٌ ثَانِي اثْنَيْنِ، أَيْ هُوَ أَحَدُهُمَا. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : وَقُرِئَ ثانِيَ اثْنَيْنِ بالسكون وإِذْ هُما بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: إِذْ أَخْرَجَهُ وَالْغَارُ ثقب

<<  <  ج: ص:  >  >>