للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، يُقَالُ: رَجُلٌ عَرَبِيٌّ. إِذَا كَانَ نَسَبُهُ فِي الْعَرَبِ وَجَمْعُهُ الْعَرَبُ.

كَمَا تَقُولُ مَجُوسِيٌّ وَيَهُودِيٌّ، ثُمَّ يُحْذَفُ يَاءُ النِّسْبَةِ فِي الْجَمْعِ، فَيُقَالُ: الْمَجُوسُ وَالْيَهُودُ، وَرَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ، بِالْأَلِفِ إِذَا كَانَ بَدَوِيًّا، يَطْلُبُ مَسَاقِطَ الْغَيْثِ وَالْكَلَإِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الْعَرَبِ أَوْ مِنْ مَوَالِيهِمْ، وَيُجْمَعُ الْأَعْرَابِيُّ عَلَى الْأَعْرَابِ وَالْأَعَارِيبِ، فَالْأَعْرَابِيُّ إِذَا قِيلَ لَهُ يَا عَرَبِيُّ: فَرِحَ، وَالْعَرَبِيُّ إِذَا قِيلَ لَهُ: يَا أَعْرَابِيُّ، غَضِبَ لَهُ، فَمَنِ اسْتَوْطَنَ الْقُرَى الْعَرَبِيَّةَ فَهُمْ عَرَبٌ، وَمَنْ نَزَلَ الْبَادِيَةَ فَهُمْ أَعْرَابٌ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ:

أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «حُبُّ الْعَرَبِ مِنَ الْإِيمَانِ»

وَأَمَّا الْأَعْرَابُ فَقَدْ ذَمَّهُمُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَعْرَابٌ، إِنَّمَا هُمْ عَرَبٌ، وَهُمْ مُتَقَدِّمُونَ فِي مَرَاتِبِ الدِّينِ عَلَى الْأَعْرَابِ.

قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا وَلَا فَاسِقٌ مُؤْمِنًا وَلَا أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِرًا»

الثَّالِثُ: قِيلَ إِنَّمَا سُمِّيَ الْعَرَبُ عَرَبَا لِأَنَّ أَوْلَادَ إِسْمَاعِيلَ نَشَأُوا بِعَرَبَةَ، وَهِيَ مِنْ تِهَامَةَ. فَنُسِبُوا إِلَى بَلَدِهِمْ وَكُلُّ مَنْ يَسْكُنُ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ وَيَنْطِقُ بِلِسَانِهِمْ فَهُوَ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا تَوَلَّدُوا من أولاد إسماعيل وقيل: سموا بالعرب، لأنه أَلْسِنَتَهُمْ مُعْرِبَةٌ عَمَّا فِي ضَمَائِرِهِمْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اللِّسَانَ الْعَرَبِيَّ مُخْتَصٌّ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْفَصَاحَةِ وَالْجَزَالَةِ لَا تُوجَدُ فِي سَائِرِ الْأَلْسِنَةِ، وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ عَنْ بَعْضِ الْحُكَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ: حِكْمَةُ الرُّومِ فِي أَدْمِغَتِهِمْ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى التَّرْكِيبَاتِ الْعَجِيبَةِ، وَحِكْمَةُ الْهِنْدِ فِي أوهامهم، وحكمة يونان فِي أَفْئِدَتِهِمْ. وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَا لَهُمْ مِنَ الْمَبَاحِثِ الْعَقْلِيَّةِ، وَحِكْمَةُ الْعَرَبِ فِي أَلْسِنَتِهِمْ، وَذَلِكَ لِحَلَاوَةِ أَلْفَاظِهِمْ وَعُذُوبَةِ عِبَارَاتِهِمْ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: الْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ الْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يَنْصَرِفَ إِلَى الْمَعْهُودِ السَّابِقِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدِ الْمَعْهُودُ السَّابِقُ، حُمِلَ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ لِلضَّرُورَةِ. قَالُوا: لِأَنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ يَكْفِي فِي حُصُولِ مَعْنَاهَا الثَّلَاثَةُ فَمَا فَوْقَهَا، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلتَّعْرِيفِ، فَإِنْ حَصَلَ جَمْعٌ هُوَ مَعْهُودٌ سَابِقٌ وَجَبَ الِانْصِرَافُ إِلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَحِينَئِذٍ يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ دَفْعًا لِلْإِجْمَالِ.

قَالُوا إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: قَوْلُهُ: الْأَعْرابُ الْمُرَادُ مِنْهُ جَمْعٌ مُعَيَّنُونَ مِنْ مُنَافِقِي الْأَعْرَابِ، كَانُوا يُوَالُونَ مُنَافِقِي الْمَدِينَةِ فَانْصَرَفَ هَذَا اللَّفْظُ إِلَيْهِمْ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى حَكَمَ عَلَى الْأَعْرَابِ بِحُكْمَيْنِ:

الْحُكْمُ الْأَوَّلُ أَنَّهُمْ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا، وَالسَّبَبُ فِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ أَهْلَ الْبَدْوِ يُشْبِهُونَ الْوُحُوشَ. وَالثَّانِي: اسْتِيلَاءُ الْهَوَاءِ الْحَارِّ الْيَابِسِ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ يُوجِبُ مَزِيدَ التِّيهِ وَالتَّكَبُّرِ وَالنَّخْوَةِ وَالْفَخْرِ وَالطَّيْشِ عَلَيْهِمْ، وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ مَا كَانُوا تَحْتَ سِيَاسَةِ سَائِسٍ، وَلَا تَأْدِيبِ مُؤَدِّبٍ، وَلَا ضبط ضبط فنشاؤا كما شاؤوا، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ خَرَجَ عَلَى أَشَدِّ الْجِهَاتِ فسادا. والرابع: أن من أصبح وو أمسى مُشَاهِدًا لِوَعْظِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَيَانَاتِهِ الشَّافِيَةِ، وَتَأْدِيبَاتِهِ الْكَامِلَةِ، كَيْفَ يَكُونُ مُسَاوِيًا لِمَنْ لَمْ يُؤَاثِرْ هَذَا الْخَيْرَ، وَلَمْ يَسْمَعْ خَبَرَهُ. وَالْخَامِسُ: قَابِلْ الْفَوَاكِهَ الْجَبَلِيَّةَ بِالْفَوَاكِهِ الْبُسْتَانِيَّةِ لِتَعْرِفَ الْفَرْقَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَضَرِ وَالْبَادِيَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>