للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُقَابِلَ التَّعْجِيلَ بِالتَّعْجِيلِ، وَالِاسْتِعْجَالَ بِالِاسْتِعْجَالِ.

وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : أَصْلُ هَذَا الْكَلَامِ، وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّه لِلنَّاسِ الشَّرَّ تَعْجِيلَهُ لَهُمُ الْخَيْرَ إِلَّا أَنَّهُ وَضَعَ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ مَوْضِعَ تَعْجِيلِهِ لَهُمُ الْخَيْرَ إِشْعَارًا بِسُرْعَةِ إِجَابَتِهِ وَإِسْعَافِهِ بِطَلَبِهِمْ، حَتَّى كَأَنَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ تَعْجِيلٌ لَهُمْ. الثَّانِي: قَالَ بَعْضُهُمْ حَقِيقَةُ قَوْلِكَ عَجَّلْتُ فُلَانًا طَلَبْتَ عَجَلَتَهُ، وَكَذَلِكَ عَجَّلَتُ الْأَمْرَ إِذَا أَتَيْتَ بِهِ عَاجِلًا، كَأَنَّكَ طَلَبْتَ فِيهِ الْعَجَلَةَ وَالِاسْتِعْجَالُ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَصِيرُ مَعْنَى الْآيَةِ لَوْ أَرَادَ اللَّه عَجَلَةَ الشَّرِّ لِلنَّاسِ كَمَا أَرَادُوا عَجَلَةَ الْخَيْرِ لَهُمْ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ، قَالَ صَاحِبُ هَذَا الْوَجْهِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْعُدُولِ عَنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ. الثَّالِثُ: أَنَّ كُلَّ مَنْ عَجَّلَ شَيْئًا فَقَدْ طَلَبَ تَعْجِيلَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ مُعَجِّلًا كَانَ مُسْتَعْجِلًا، فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ، وَلَوِ اسْتَعْجَلَ اللَّه لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ نَفْسَهُ بِتَكْوِينِ الْعَجَلَةِ وَوَصَفَهُمْ بِطَلَبِهَا، لِأَنَّ اللَّائِقَ بِهِ تَعَالَى هُوَ التَّكْوِينُ وَاللَّائِقُ بِهِمْ هُوَ الطَّلَبُ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى سمى العذاب شرا في هذه الآية، لأن أَذًى فِي حَقِّ الْمُعَاقَبِ وَمَكْرُوهٌ عِنْدَهُ كَمَا أَنَّهُ سَمَّاهُ سَيِّئَةً فِي قَوْلِهِ: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ [الرعد: ٦] وَفِي قَوْلِهِ: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشُّورَى: ٤٠] .

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ لَقَضَى بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْقَافِ أَجَلَهُمْ بِالنَّصْبِ، يَعْنِي لَقَضَى اللَّه، وينصره قراءة عبد اللَّه لقضينا إِلَيْهِمْ أَجَلَهُمْ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الضَّادِ وَفَتْحِ الْيَاءِ أَجَلُهُمْ بِالرَّفْعِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: الْمُرَادُ مِنِ اسْتِعْجَالِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْخَيْرَ هُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ نُزُولِ الشَّدَائِدِ يَدْعُونَ اللَّه تَعَالَى بِكَشْفِهَا، وَقَدْ حَكَى اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ ذَلِكَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ: ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ [النَّمْلِ: ٥٣] وَقَوْلِهِ: وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا [يونس: ١٢] .

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: لِسَائِلٍ أَنْ يَسْأَلَ فَيَقُولَ: كَيْفَ اتَّصَلَ قَوْلُهُ: فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا بِمَا قَبْلَهُ وَمَا مَعْنَاهُ؟.

وَجَوَابُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ مُتَضَمِّنٌ مَعْنَى نَفْيِ التَّعْجِيلِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَلَا يُعَجِّلُ لَهُمُ الشَّرَّ، وَلَا يَقْضِي إِلَيْهِمْ أَجَلَهُمْ فَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ أَيْ فَيُمْهِلُهُمْ مَعَ طُغْيَانِهِمْ إِلْزَامًا لِلْحُجَّةِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالطُّغْيَانِ وَالْعَمَهِ امْتَنَعَ أَنْ لَا يَكُونُوا كَذَلِكَ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَنْقَلِبَ خَبَرُ اللَّه الصدق كذبا وعلمه جهله وَحُكْمُهُ بَاطِلًا، وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَالٌ، ثُمَّ إِنَّهُ مَعَ هَذَا كَلَّفَهُمْ وَذَلِكَ يَكُونُ جَارِيًا مَجْرَى التكليف بالجمع بين الضدين.

[[سورة يونس (١٠) : آية ١٢]]

وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢)

وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي كَيْفِيَّةِ النَّظْمِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّهُ لَوْ أَنْزَلَ الْعَذَابَ

<<  <  ج: ص:  >  >>