للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ، لِأَنَّهُمْ مَتَى سَمِعُوا أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ يُجِيبُ دُعَاءَهُمْ وَيُنْزِلُ عَلَيْهِمْ عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ، ثُمَّ سَمِعُوا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَنَّ ذَلِكَ قَدْ وَقَعَ مِرَارًا كَثِيرَةً صَارَ ذَلِكَ رَادِعًا لَهُمْ وَزَاجِرًا عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ الْكَلَامِ، فَهَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ مَقْبُولٌ فِي كَيْفِيَّةِ النَّظْمِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ صاحب «الكشاف» لما ظرف لأهلكنا، وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَجاءَتْهُمْ لِلْحَالِ، أَيْ ظَلَمُوا بِالتَّكْذِيبِ وَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالدَّلَائِلِ وَالشَّوَاهِدِ عَلَى صِدْقِهِمْ وَهِيَ الْمُعْجِزَاتُ، / وَقَوْلُهُ: وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى ظَلَمُوا، وَأَنْ يَكُونَ اعْتِرَاضًا، وَاللَّامُ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ، وَأَنَّ اللَّه قَدْ عَلِمَ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ يُصِرُّونَ عَلَى الْكُفْرِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا أَهْلَكَهُمْ لِأَجْلِ تَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ، فَكَذَلِكَ يَجْزِي كُلَّ مُجْرِمٍ، وَهُوَ وَعِيدٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ رَسُولَ اللَّه، وَقُرِئَ يَجْزِي بِالْيَاءِ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ الْخِطَابُ لِلَّذِينِ بُعِثَ إِلَيْهِمْ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَيْ اسْتَخْلَفْنَاكُمْ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ الْقُرُونِ الَّتِي أَهْلَكْنَاهُمْ، لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، خَيْرًا أَوْ شَرًّا، فَنُعَامِلُكُمْ عَلَى حَسَبِ عَمَلِكُمْ. بَقِيَ فِي الْآيَةِ سُؤَالَانِ:

السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: كَيْفَ جَازَ النَّظَرُ إِلَى اللَّه تَعَالَى وَفِيهِ مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ؟

وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ اسْتُعِيرَ لَفْظُ النَّظَرِ لِلْعِلْمِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي لَا يَتَطَرَّقُ الشَّكُّ إِلَيْهِ، وَشُبِّهَ هَذَا الْعِلْمُ بِنَظَرِ النَّاظِرِ وَعِيَانِ الْمُعَايِنِ.

السُّؤَالُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى مَا كَانَ عَالِمًا بِأَحْوَالِهِمْ قَبْلَ وُجُودِهِمْ.

وَالْجَوَابُ: الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ تَعَالَى يُعَامِلُ الْعِبَادَ مُعَامَلَةَ مَنْ يَطْلُبُ الْعِلْمَ بِمَا يَكُونُ مِنْهُمْ، لِيُجَازِيَهُمْ بِحَسَبِهِ كَقَوْلِهِ: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هُودٍ: ٧] وَقَدْ مَرَّ نَظَائِرُ هَذَا.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ وَإِنَّ اللَّه مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ»

وَقَالَ قَتَادَةُ: صَدَقَ اللَّه رَبُّنَا مَا جَعَلَنَا خُلَفَاءَ إِلَّا لِيَنْظُرَ إِلَى أَعْمَالِنَا، فَأَرُوا اللَّه مِنْ أَعْمَالِكُمْ خَيْرًا، بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ الزَّجَّاجُ: مَوْضِعُ كَيْفَ نَصْبٌ بقوله: تَعْمَلُونَ لأنها حرف لاستفهام وَالِاسْتِفْهَامُ لَا يَعْمَلُ فِيهِ مَا قَبْلَهُ، وَلَوْ قُلْتَ: لِنَنْظُرَ خَيْرًا تَعْمَلُونَ أَمْ شَرًّا، كَانَ العامل في خير وشر تعملون.

[[سورة يونس (١٠) : آية ١٥]]

وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥)

فِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ هُوَ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ شُبُهَاتِهِمْ وَكَلِمَاتِهِمُ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي الطَّعْنِ فِي نُبُوَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَكَاهَا اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابِهِ وَأَجَابَ عَنْهَا.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ الَّذِي نَذْكُرُهُ، عَلِمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مُرَتَّبٌ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: أَنَّ خَمْسَةً مِنَ الْكُفَّارِ كَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِالرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَبِالْقُرْآنِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>