للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا التَّفَكُّرَ وَالتَّدَبُّرَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ لَا يَنْفَعُ فِي حَقِّ مَنْ حَكَمَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ فِي الْأَزَلِ بِالشَّقَاءِ وَالضَّلَالِ، فَقَالَ: وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ النَّحْوِيُّونَ: (مَا) فِي هَذَا الْمَوْضِعِ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ نَفْيًا بِمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ وَالنُّذُرَ لَا تُفِيدُ الْفَائِدَةَ فِي حَقِّ مَنْ حَكَمَ اللَّه عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ، كَقَوْلِكَ: مَا يُغْنِي عَنْكَ الْمَالُ إِذَا لَمْ تُنْفِقْ. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ اسْتِفْهَامًا كَقَوْلِكَ: أَيُّ شَيْءٍ يُغْنِي عَنْهُمْ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْآيَاتُ هِيَ الدَّلَائِلُ، وَالنُّذُرُ الرُّسُلُ الْمُنْذِرُونَ أَوِ الْإِنْذَارَاتُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قُرِئَ وَما يُغْنِي بالياء من تحت.

[سورة يونس (١٠) : الآيات ١٠٢ الى ١٠٣]

فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (١٠٢) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٣)

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَعْنَى هَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا أَيَّامًا مِثْلَ أَيَّامِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ كَانُوا يَتَوَعَّدُونَ كُفَّارَ زَمَانِهِمْ بِمَجِيءِ أَيَّامٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى أَنْوَاعِ الْعَذَابِ، وَهُمْ كَانُوا يُكَذِّبُونَ بِهَا وَيَسْتَعْجِلُونَهَا عَلَى سَبِيلِ السُّخْرِيَةِ، وَكَذَلِكَ الْكُفَّارُ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَانِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَكَذَا كَانُوا يَفْعَلُونَ. ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُ بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ: فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ: ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ الْكِسَائِيُّ فِي رِوَايَةِ نُصَيْرٍ نُنْجِي خَفِيفَةً، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: مُشَدَّدَةً وَهُمَا لُغَتَانِ وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: (ثُمَّ) حَرْفُ عَطْفٍ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ كَانَتْ عَادَتُنَا فِيمَا مَضَى أَنْ نُهْلِكَهُمْ سَرِيعًا ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: لَمَّا أَمَرَ الرَّسُولَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَنْ يُوَافِقَ الْكُفَّارَ فِي انْتِظَارِ الْعَذَابِ ذَكَرَ التَّفْصِيلَ فَقَالَ:

الْعَذَابُ لَا يَنْزِلُ إِلَّا عَلَى الْكُفَّارِ وَأَمَّا الرَّسُولُ وَأَتْبَاعُهُ فَهُمْ أَهْلُ النَّجَاةِ.

ثُمَّ قَالَ: كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : أَيْ مِثْلَ ذَلِكَ الْإِنْجَاءِ نَنْصُرُ الْمُؤْمِنِينَ وَنُهْلِكُ المشركين وحقا عَلَيْنَا اعْتِرَاضٌ، يَعْنِي حَقَّ ذَلِكَ عَلَيْنَا حَقًّا.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ الْقَاضِي قَوْلُهُ: حَقًّا عَلَيْنا الْمُرَادُ بِهِ الْوُجُوبُ، لِأَنَّ تَخْلِيصَ الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْعَذَابِ إِلَى الثَّوَابِ وَاجِبٌ وَلَوْلَاهُ لَمَا حَسُنَ مِنَ اللَّه تَعَالَى أَنْ يُلْزِمَهُمُ الْأَفْعَالَ الشَّاقَّةَ وَإِذَا ثَبَتَ وَجُوبُهُ لِهَذَا السَّبَبِ جَرَى مَجْرَى قَضَاءِ الدَّيْنِ لِلسَّبَبِ الْمُتَقَدِّمِ.

وَالْجَوَابُ: أَنَّا نَقُولُ إِنَّهُ حَقٌّ بِسَبَبِ الْوَعْدِ وَالْحُكْمِ، وَلَا نَقُولُ إِنَّهُ حَقٌّ بِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، لِمَا ثَبَتَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى خَالِقِهِ شَيْئًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>