للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ عِنْدِ اللَّه، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أَيْ فَهَلْ أَنْتُمْ مُخْلِصُونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِيهِ إِضْمَارٌ، وَالتَّقْدِيرُ:

فَقُولُوا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ لِلْكُفَّارِ اعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّه.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا خِطَابٌ مَعَ الْكُفَّارِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّه إِذَا لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فِي الْإِعَانَةِ عَلَى الْمُعَارَضَةِ، فَاعْلَمُوا أَيُّهَا الْكُفَّارُ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ إِنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّه فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ بَعْدَ لُزُومِ الْحُجَّةِ عَلَيْكُمْ، وَالْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ قَالُوا هَذَا أَوْلَى مِنَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّكُمْ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ احْتَجْتُمْ إِلَى أَنْ حَمَلْتُمْ قَوْلَهُ: فَاعْلَمُوا عَلَى الْأَمْرِ بِالثَّبَاتِ أَوْ عَلَى إِضْمَارِ الْقَوْلِ، وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا حَاجَةَ فِيهِ إِلَى إِضْمَارٍ، فَكَانَ هَذَا أَوْلَى، وَأَيْضًا فَعَوْدُ الضَّمِيرِ إِلَى أَقْرَبِ الْمَذْكُورِينَ وَاجِبٌ، وَأَقْرَبُ الْمَذْكُورِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ هَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي، وَأَيْضًا أَنَّ الْخِطَابَ الْأَوَّلَ كَانَ مَعَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَحْدَهُ بِقَوْلِهِ: قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ [هود: ١٣] وَالْخِطَابَ الثَّانِيَ كَانَ مَعَ جَمَاعَةِ الْكُفَّارِ بِقَوْلِهِ: وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ [هود: ١٣] وقوله: فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ خِطَابٌ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ أَوْلَى.

بَقِيَ فِي الْآيَةِ سُؤَالَاتٌ:

السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَمْ يَسْتَجِيبُوا فِيهِ؟

الْجَوَابُ: الْمَعْنَى فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فِي مُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فِي جُمْلَةِ الْإِيمَانِ وَهُوَ بَعِيدٌ.

السُّؤَالُ الثَّانِي: مَنِ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بقوله: لَكُمْ؟

والجواب: إن حملنا قوله: فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الرَّسُولِ فَعَنْهُ جَوَابَانِ: الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْمُؤْمِنِينَ كَانُوا يَتَحَدُّونَهُمْ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ لِتَعْظِيمِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

السُّؤَالُ الثَّالِثُ: أَيُّ تَعَلُّقٍ بَيْنَ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ مَا فِيهَا مِنَ الْجَزَاءِ.

وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْقَوْمَ ادَّعَوْا كَوْنَ الْقُرْآنِ مُفْتَرًى عَلَى اللَّه تَعَالَى، فَقَالَ: لَوْ كَانَ مُفْتَرًى عَلَى اللَّه لَوَجَبَ أَنْ يَقْدِرَ الْخَلْقُ عَلَى مِثْلِهِ وَلَمَّا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّه، فَقَوْلُهُ: أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّه وَمِنْ قِبَلِهِ، كَمَا يَقُولُ الْحَاكِمُ هَذَا الْحُكْمُ جَرَى بِعِلْمِي.

السُّؤَالُ الرَّابِعُ: أَيُّ تَعَلُّقٍ لِقَوْلِهِ: وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يعجزهم عَنِ الْمُعَارَضَةِ.

وَالْجَوَابُ فِيهِ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَطْلُبَ مِنَ الْكُفَّارِ أَنْ يَسْتَعِينُوا بِالْأَصْنَامِ فِي تَحْقِيقِ الْمُعَارَضَةِ ثُمَّ ظَهَرَ عَجْزُهُمْ عَنْهَا فَحِينَئِذٍ ظَهَرَ أَنَّهَا لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَطَالِبِ الْبَتَّةَ، وَمَتَى كَانَ كَذَلِكَ، فَقَدْ بَطَلَ الْقَوْلُ بِإِثْبَاتِ كونهم آلهة، فصار عجز القوم الْمُعَارَضَةِ بَعْدَ الِاسْتِعَانَةِ بِالْأَصْنَامِ مُبْطِلًا لِإِلَهِيَّةِ الْأَصْنَامِ وَدَلِيلًا عَلَى ثُبُوتِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِشَارَةً إِلَى مَا ظَهَرَ مِنْ فَسَادِ الْقَوْلِ بِإِلَهِيَّةِ الْأَصْنَامِ. الثَّانِي: أَنَّهُ ثَبَتَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ الْقَوْلَ بِنَفْيِ الشَّرِيكِ عَنِ اللَّه مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي يُمْكِنُ إِثْبَاتُهَا بِقَوْلِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَعَلَى هَذَا فَكَأَنَّهُ قِيلَ: لَمَّا ثَبَتَ عَجْزُ الْخُصُومِ عَنِ الْمُعَارَضَةِ ثَبَتَ كَوْنُ الْقُرْآنِ حَقًّا، وَثَبَتَ كَوْنِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَادِقًا فِي دَعْوَى الرِّسَالَةِ، ثُمَّ إِنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ عَنْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه فَلَمَّا ثَبَتَ كَوْنُهُ محقا في

<<  <  ج: ص:  >  >>