للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقَمَرَ

فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: كَيْفَ رَأَيْتَ؟ فَقَالَ: رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ، وَقَالَ آخَرُونَ: يَجُوزُ أَنْ يكون أحدهما من الرؤية والآخر من الرؤية، وَهَذَا الْقَائِلُ لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ أَيَّهُمَا يُحْمَلُ على الرؤيا وَأَيَّهُمَا الرُّؤْيَا فَذَكَرَ قَوْلًا مُجْمَلًا غَيْرَ مُبَيَّنٍ.

السُّؤَالُ الثَّالِثُ: لِمَ أَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ؟

قُلْنَا: أَخَّرَهُمَا لِفَضْلِهِمَا عَلَى الْكَوَاكِبِ، لِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى مَزِيدِ الشَّرَفِ كَمَا فِي قَوْلِهِ:

وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ [الْبَقَرَةِ: ٩٨] .

السُّؤَالُ الرَّابِعُ: الْمُرَادُ بِالسُّجُودِ نَفْسُ السُّجُودِ أَوِ التَّوَاضُعُ كَمَا فِي قَوْلِهِ:

تَرَى الْأَكَمَ فِيهِ سُجَّدًا لِلْحَوَافِرِ

قُلْنَا: كِلَاهُمَا مُحْتَمَلٌ، وَالْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ حَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَلَا مَانِعَ أَنْ يَرَى فِي الْمَنَامِ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْكَوَاكِبَ سَجَدَتْ لَهُ.

السُّؤَالُ الْخَامِسُ: مَتَى رَأَى يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذِهِ الرُّؤْيَا؟

قُلْنَا: لَا شَكَّ أَنَّهُ رَآهَا حَالَ الصِّغَرِ، فَأَمَّا ذَلِكَ الزَّمَانُ بِعَيْنِهِ فَلَا يُعْلَمُ إِلَّا بِالْإِخْبَارِ.

قَالَ وَهْبٌ: رَأَى يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ عَصًا طِوَالًا كَانَتْ مَرْكُوزَةً فِي الْأَرْضِ كَهَيْئَةِ الدَّائِرَةِ وَإِذَا عَصًا صَغِيرَةٌ وَثَبَتَ عَلَيْهَا حَتَّى ابْتَلَعَتْهَا فَذَكَرَ ذَلِكَ لِأَبِيهِ فَقَالَ إِيَّاكَ أَنْ تَذْكُرَ هَذَا لِإِخْوَتِكَ ثُمَّ رَأَى وَهُوَ ابْنُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْكَوَاكِبَ تَسْجُدُ لَهُ فَقَصَّهَا عَلَى أَبِيهِ فَقَالَ لَا تَذْكُرْهَا لَهُمْ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا.

وَقِيلَ: كَانَ بَيْنَ رُؤْيَا يُوسُفَ وَمَصِيرِ إِخْوَتِهِ إِلَيْهِ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَقِيلَ: ثَمَانُونَ سَنَةً.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكَمَاءَ يَقُولُونَ إِنَّ الرُّؤْيَا الرَّدِيئَةَ يَظْهَرُ تَعْبِيرُهَا عَنْ قَرِيبٍ، وَالرُّؤْيَا الْجَيِّدَةُ إِنَّمَا يَظْهَرُ تَعْبِيرُهَا بَعْدَ حِينٍ. قَالُوا: وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ رَحْمَةَ اللَّه تَقْتَضِي أَنْ لَا يَحْصُلَ الْإِعْلَامُ بِوُصُولِ/ الشَّرِّ إِلَّا عِنْدَ قُرْبِ وُصُولِهِ حَتَّى يَكُونَ الْحُزْنُ وَالْغَمُّ أَقَلَّ، وَأَمَّا الْإِعْلَامُ بِالْخَيْرِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ مُتَقَدِّمًا عَلَى ظُهُورِهِ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ حَتَّى تَكُونَ الْبَهْجَةُ الْحَاصِلَةُ بِسَبَبِ تَوَقُّعِ حُصُولِ ذَلِكَ الْخَيْرِ أَكْثَرَ وَأَتَمَّ.

السُّؤَالُ السَّادِسُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ أَبُوهُ وَخَالَتُهُ فَمَا السَّبَبُ فِيهِ؟

قُلْنَا: إِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ

وَرَدَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ وَالِدَتَهُ تُوُفِّيَتْ وَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ حَالَ مَا كَانَ بِمِصْرَ

قَالُوا:

وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ أَبَاهُ وَأُمَّهُ لَمَا مَاتَتْ لِأَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ وَحْيًا وَهَذِهِ الْحُجَّةُ غَيْرُ قَوِيَّةٍ لِأَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ.

السُّؤَالُ السَّابِعُ: وَمَا تِلْكَ الْكَوَاكِبُ؟

قُلْنَا:

رَوَى صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» أَنَّ يَهُودِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ النُّجُومِ الَّتِي رَآهُنَّ يُوسُفُ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلْيَهُودِيِّ: «إِنْ أَخْبَرْتُكَ هَلْ تُسْلِمُ» قَالَ نَعَمْ قَالَ: «جَرْبَانُ وَالطَّارِقُ وَالذَّيَّالُ وَقَابِسٌ وَعَمُودَانُ وَالْفُلَيْقُ وَالْمُصْبِحُ وَالضَّرُوحُ وَالْفَرْغُ وَوَثَّابٌ وَذُو الْكَتِفَيْنِ رَآهَا يُوسُفُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ وَسَجَدَتْ لَهُ» فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: أَيْ واللَّه إِنَّهَا لَأَسْمَاؤُهَا.

وَاعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِي صُورَةِ الْكَوَاكِبِ واللَّه أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الحال.

<<  <  ج: ص:  >  >>