للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ، وَهُمَا لُغَتَانِ كَالصِّبْيَانِ وَالصِّبْيَةِ، وَالْإِخْوَانِ وَالْإِخْوَةِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ الْفِتْيَةُ جَمْعُ فَتًى فِي الْعَدَدِ الْقَلِيلِ وَالْفِتْيَانُ لِلْكَثِيرِ، فَوَجْهُ الْبِنَاءِ الَّذِي لِلْعَدَدِ الْقَلِيلِ أَنَّ الَّذِينَ يُحِيطُونَ بِمَا يَجْعَلُونَ بِضَاعَتَهُمْ فِيهِ مِنْ رِحَالِهِمْ يَكُونُونَ قَلِيلِينَ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْأَسْرَارِ فَوَجَبَ صَوْنُهُ إِلَّا عَنِ الْعَدَدِ الْقَلِيلِ وَوَجْهُ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ أَنَّهُ قَالَ:

اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ وَالرِّحَالُ تُفِيدُ الْعَدَدَ الْكَثِيرَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ يُبَاشِرُونَ ذَلِكَ الْعَمَلَ كَثِيرِينَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اتَّفَقَ الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ مَا كَانُوا عَالِمِينَ بِجَعْلِ الْبِضَاعَةِ فِي رِحَالِهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهُمْ كَانُوا عَارِفِينَ بِهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها يُبْطِلُ ذَلِكَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي السَّبَبِ الَّذِي لِأَجْلِهِ أَمَرَ يُوسُفُ بِوَضْعِ بِضَاعَتِهِمْ فِي رِحَالِهِمْ عَلَى وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ مَتَى فَتَحُوا الْمَتَاعَ فَوَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ فِيهِ، عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ كَرَمًا مِنْ يُوسُفَ وَسَخَاءً مَحْضًا فَيَبْعَثُهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْعَوْدِ إِلَيْهِ وَالْحِرْصِ عَلَى مُعَامَلَتِهِ. الثَّانِي:

خَافَ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَ أَبِيهِ مِنَ الْوَرِقِ مَا يَرْجِعُونَ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى/ الثَّالِثُ: أَرَادَ بِهِ التَّوْسِعَةَ عَلَى أَبِيهِ لِأَنَّ الزَّمَانَ كَانَ زَمَانَ الْقَحْطِ. الرَّابِعُ: رَأَى أَنَّ أَخْذَ ثَمَنِ الطَّعَامِ مِنْ أَبِيهِ وَإِخْوَتِهِ مَعَ شِدَّةِ حَاجَتِهِمْ إِلَى الطَّعَامِ لُؤْمٌ. الْخَامِسُ:

قَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّهُمْ مَتَى شَاهَدُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ وَقَعَ فِي قُلُوبِهِمْ أَنَّهُمْ وَضَعُوا تِلْكَ الْبِضَاعَةَ فِي رِحَالِهِمْ عَلَى سَبِيلِ السَّهْوِ وَهُمْ أَنْبِيَاءُ وَأَوْلَادُ الْأَنْبِيَاءِ فَرَجَعُوا لِيَعْرِفُوا السَّبَبَ فِيهِ، أَوْ رَجَعُوا لِيَرُدُّوا الْمَالَ إِلَى مَالِكِهِ. السَّادِسُ:

أَرَادَ أَنْ يُحْسِنَ إِلَيْهِمْ عَلَى وَجْهٍ لَا يُلْحِقُهُمْ بِهِ عَيْبٌ وَلَا مِنَّةٌ. السَّابِعُ: مَقْصُودُهُ أَنْ يَعْرِفُوا أَنَّهُ لَا يَطْلُبُ ذَلِكَ الْأَخَ لِأَجْلِ الْإِيذَاءِ وَالظُّلْمِ وَلَا لِطَلَبِ زِيَادَةٍ فِي الثَّمَنِ. الثَّامِنُ: أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ أَبُوهُ أَنَّهُ أَكْرَمَهُمْ وَطَلَبُهُ لَهُ لِمَزِيدِ الْإِكْرَامِ فَلَا يَثْقُلُ عَلَى أَبِيهِ إِرْسَالُ أَخِيهِ. التَّاسِعُ: أَرَادَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَالُ مَعُونَةً لَهُمْ عَلَى شِدَّةِ الزَّمَانِ، وَكَانَ يَخَافُ اللُّصُوصَ مِنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ، فَوَضَعَ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ فِي رِحَالِهِمْ حَتَّى تَبْقَى مَخْفِيَّةً إِلَى أَنْ يَصِلُوا إِلَى أَبِيهِمْ. الْعَاشِرُ:

أَرَادَ أَنْ يُقَابِلَ مُبَالَغَتَهُمْ فِي الْإِسَاءَةِ بِمُبَالَغَتِهِ فِي الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ.

ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا: يَا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ وَفِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ:

أَنَّهُمْ لَمَّا طَلَبُوا الطَّعَامَ لِأَبِيهِمْ وَلِلْأَخِ الْبَاقِي عِنْدَهُ مُنِعُوا مِنْهُ، فَقَوْلُهُمْ: مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ إِشَارَةٌ إِلَيْهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُنِعَ الْكَيْلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِ يُوسُفَ: فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي [يوسف: ٦٠] وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: يَكْتَلْ بِالْيَاءِ، وَالْبَاقُونَ بِالنُّونِ، وَالْقِرَاءَةُ الْأُولَى تُقَوِّي الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، وَالْقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ تُقَوِّي الْقَوْلَ الثَّانِيَ. ثُمَّ قَالُوا: وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ضَمِنُوا كَوْنَهُمْ حَافِظِينَ لَهُ، فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ قَالَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ وَالْمَعْنَى أَنَّكُمْ ذَكَرْتُمْ قَبْلُ هَذَا الْكَلَامَ فِي يُوسُفَ وَضَمِنْتُمْ لِي حِفْظَهُ حَيْثُ قُلْتُمْ: وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [يُوسُفَ: ١٢] ثم هاهنا ذكرتم هذا اللفظ بعينه فهل يكون هاهنا أَمَانِيُّ إِلَّا مَا كَانَ هُنَاكَ يَعْنِي لَمَّا لَمْ يَحْصُلِ الْأَمَانُ هُنَاكَ فَكَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ هاهنا.

ثُمَّ قَالَ: فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ حافِظاً بِالْأَلِفِ عَلَى التَّمْيِيزِ وَالتَّفْسِيرِ عَلَى تَقْدِيرِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ حَافِظًا كَقَوْلِهِمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ رَجُلًا وللَّه دَرُّهُ فَارِسًا، وَقِيلَ: عَلَى الْحَالِ وَالْبَاقُونَ:

حِفْظًا بِغَيْرِ أَلِفٍ عَلَى الْمَصْدَرِ يَعْنِي خَيْرُكُمْ حِفْظًا يَعْنِي حِفْظُ اللَّه لِبِنْيَامِينَ خَيْرٌ مِنْ حِفْظِكُمْ، وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ فاللَّه خَيْرُ حَافِظٍ وَقَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ خَيْرُ الْحَافِظِينَ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَثِقْتُ بِكُمْ فِي حِفْظِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَكَانَ مَا كَانَ فَالْآنَ أَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّه فِي حِفْظِ بِنْيَامِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>