للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا قَوْلُهُ: ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ فَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: قَالَ مُقَاتِلٌ: ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الْمُحْسِنِ لِسَخَائِهِ وَحِرْصِهِ عَلَى الْبَذْلِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الزَّجَّاجِ. وَالثَّانِي: ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ، أَيْ قَصِيرُ الْمُدَّةِ لَيْسَ سَبِيلُ مِثْلِهِ أَنْ تَطُولَ مُدَّتُهُ بِسَبَبِ الْحَبْسِ وَالتَّأْخِيرِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ ذَلِكَ الَّذِي يُدْفَعُ إِلَيْنَا دُونَ أَخِينَا شَيْءٌ يَسِيرٌ قَلِيلٌ فَابْعَثْ أَخَانَا مَعَنَا حتى نتبدل تلك القلة بالكثرة.

[[سورة يوسف (١٢) : آية ٦٦]]

قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٦)

اعْلَمْ أَنَّ الْمَوْثِقَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الثِّقَةِ وَمَعْنَاهُ: الْعَهْدُ الَّذِي يُوثَقُ بِهِ فَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ يَقُولُ: لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُعْطُونِي عَهْدًا مَوْثُوقًا بِهِ وَقَوْلُهُ: مِنَ اللَّهِ أَيْ عَهْدًا مَوْثُوقًا بِهِ بِسَبَبِ تَأَكُّدِهِ بِإِشْهَادِ اللَّه وَبِسَبَبِ الْقَسَمِ باللَّه عَلَيْهِ، وقوله: لَتَأْتُنَّنِي بِهِ دخلت اللام هاهنا لِأَجْلِ أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْثِقِ مِنَ اللَّه الْيَمِينُ فَتَقْدِيرُهُ:

حَتَّى تَحْلِفُوا باللَّه لَتَأْتُنَّنِي بِهِ. وَقَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فِيهِ بَحْثَانِ:

الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ. فَقَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ مفعوله لَهُ، وَالْكَلَامُ الْمُثْبَتُ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: لَتَأْتُنَّنِي بِهِ فِي تَأْوِيلِ الْمَنْفِيِّ، فَكَانَ الْمَعْنَى: لَا تَمْتَنِعُونَ/ مِنَ الْإِتْيَانِ بِهِ لِعِلَّةٍ مِنَ الْعِلَلِ إِلَّا لِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ.

الْبَحْثُ الثَّانِي: قَالَ الْوَاحِدِيُّ لِلْمُفَسِّرِينَ فِيهِ قَوْلَانِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ: إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ مَعْنَاهُ الْهَلَاكُ قَالَ مُجَاهِدٌ: إِلَّا أَنْ تَمُوتُوا كُلُّكُمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا عِنْدِي، وَالْعَرَبُ تَقُولُ أُحِيطَ بِفُلَانٍ إِذَا قَرُبَ هَلَاكُهُ قَالَ تَعَالَى: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ [الْكَهْفِ: ٤٢] أَيْ أَصَابَهُ مَا أَهْلَكَهُ. وَقَالَ تَعَالَى: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ [يُونُسَ: ٢٢] وَأَصْلُهُ أَنَّ مَنْ أَحَاطَ بِهِ الْعَدُوُّ وَانْسَدَّتْ عَلَيْهِ مَسَالِكُ النَّجَاةِ دَنَا هَلَاكُهُ، فَقِيلَ: لِكُلِّ مَنْ هَلَكَ قَدْ أُحِيطَ بِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: مَا ذَكَرَهُ قَتَادَةُ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ إِلَّا أَنْ تَصِيرُوا مَغْلُوبِينَ مَقْهُورِينَ، فَلَا تَقْدِرُونَ عَلَى الرُّجُوعِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ يُرِيدُ شَهِيدٌ، لِأَنَّ الشَّهِيدَ وَكِيلٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ مَوْكُولٌ إِلَيْهِ هَذَا الْعَهْدُ فَإِنْ وَفَّيْتُمْ بِهِ جَازَاكُمْ بِأَحْسَنِ الْجَزَاءِ، وإن غدرتم فيه كافأكم بأعظم العقوبات.

[[سورة يوسف (١٢) : آية ٦٧]]

وَقالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧)

اعْلَمْ أَنَّ أَبْنَاءَ يَعْقُوبَ لَمَّا عَزَمُوا عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى مِصْرَ. وَكَانُوا مَوْصُوفِينَ بِالْكَمَالِ وَالْجَمَالِ وَأَبْنَاءَ رَجُلٍ وَاحِدٍ قَالَ لَهُمْ: لَا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَفِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ خاف من العين عليهم ولنا هاهنا مَقَامَانِ.

الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: إِثْبَاتُ أَنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: إِطْبَاقُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ ذَلِكَ. وَالثَّانِي: مَا

رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَيَقُولُ: «أُعِيذُكُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>