للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرَجًا وَمَخْرَجًا عَنْ قَرِيبٍ فَقَالَ ذَلِكَ/ عَلَى سَبِيلِ حُسْنِ الظَّنِّ بِرَحْمَةِ اللَّه. وَالثَّانِي: لَعَلَّهُ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَهُ مِنْ بَعْدِ مِحْنَةِ يُوسُفَ أَنَّهُ حَيٌّ أَوْ ظَهَرَتْ لَهُ عَلَامَاتُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَ: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً لِأَنَّهُمْ حِينَ ذَهَبُوا بِيُوسُفَ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ فَضَاعَ يُوسُفُ وَبَقِيَ أَحَدَ عَشَرَ، وَلَمَّا أَرْسَلَهُمْ إِلَى مِصْرَ عَادُوا تِسْعَةً لِأَنَّ بِنْيَامِينَ حَبَسَهُ يُوسُفُ وَاحْتَبَسَ ذَلِكَ الْكَبِيرُ الَّذِي قَالَ: فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي [يوسف: ٨٠] فَلَمَّا كَانَ الْغَائِبُونَ ثَلَاثَةً لَا جَرَمَ قَالَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً.

ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ يَعْنِي هُوَ الْعَالِمُ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ الْحَكِيمُ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ المطابق للفضل والإحسان والرحمة والمصلحة.

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٨٤ الى ٨٧]

وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يَا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤) قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (٨٥) قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨٦) يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (٨٧)

[في قوله تعالى وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يَا أَسَفى عَلى يُوسُفَ] [المسألة الأولى] وَاعْلَمْ أَنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا سَمِعَ كَلَامَ أَبْنَائِهِ ضَاقَ قَلْبُهُ جِدًّا وَأَعْرَضَ عَنْهُمْ وَفَارَقَهُمْ ثُمَّ بِالْآخِرَةِ طَلَبَهُمْ وَعَادَ إِلَيْهِمْ.

أَمَّا الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْهُمْ، وَفَرَّ منهم فهو قوله: وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يَا أَسَفى عَلى يُوسُفَ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا ضَاقَ صَدْرُهُ بِسَبَبِ الْكَلَامِ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْ أَبْنَائِهِ فِي حَقِّ بِنْيَامِينَ عَظُمَ أَسَفُهُ عَلَى/ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَإِنَّمَا عَظُمَ حُزْنُهُ عَلَى مُفَارَقَةِ يُوسُفَ عِنْدَ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ لِوُجُوهٍ:

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْحُزْنَ الْجَدِيدَ يُقَوِّي الْحُزْنَ الْقَدِيمَ الْكَامِنَ وَالْقِدْحُ إِذَا وَقَعَ عَلَى الْقِدْحِ كَانَ أَوْجَعَ وَقَالَ مُتَمِّمُ بْنُ نُوَيْرَةَ:

وَقَدْ لَامَنِي عِنْدَ الْقُبُورِ عَلَى الْبُكَا ... رَفِيقِي لِتِذْرَافِ الدُّمُوعِ السَّوَافِكِ

فَقَالَ أَتَبْكِي كُلَّ قَبْرٍ رَأَيْتَهُ ... لِقَبْرٍ ثَوَى بَيْنَ اللِّوَى وَالدَّكَادِكِ

فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ الْأَسَى يَبْعَثُ الْأَسَى ... فَدَعْنِي فَهَذَا كُلُّهُ قَبْرُ مَالِكِ

وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا رَأَى قَبْرًا فَتَجَدَّدَ حُزْنُهُ عَلَى أَخِيهِ مَالِكٍ فَلَامُوهُ عَلَيْهِ، فَأَجَابَ بِأَنَّ الْأَسَى يَبْعَثُ الْأَسَى. وَقَالَ آخَرُ:

فَلَمْ تُنْسِنِي أوفي المصيبات بعده ... ولكن نكاء الْقَرْحِ بِالْقَرْحِ أَوْجَعُ

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ بِنْيَامِينَ وَيُوسُفَ كَانَا مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ وَكَانَتِ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَهُمَا فِي الصُّورَةِ وَالصِّفَةِ أَكْمَلَ، فَكَانَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَتَسَلَّى بِرُؤْيَتِهِ عَنْ رُؤْيَةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا وَقَعَ مَا وَقَعَ زَالَ مَا يُوجِبُ السَّلْوَةَ فَعَظُمَ الْأَلَمُ وَالْوَجْدُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>