للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَعْرِفُهُ، وَكَانُوا يَكْتُبُونَ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، فَقَالَ عَلَيْهِ السلام: «اكتبوا كما تُرِيدُونَ» .

وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ إِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِإِطْلَاقِ هَذَا الِاسْمِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، لَا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَفَرُوا بِاللَّهِ إِمَّا جَحْدًا لَهُ وَإِمَّا لِإِثْبَاتِهِمُ الشُّرَكَاءَ مَعَهُ. قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا الْقَوْلُ أَلْيَقُ بِالظَّاهِرِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَهُوَ المفهوم من الرحمن، وليس المفهوم من الِاسْمَ كَمَا لَوْ قَالَ قَائِلٌ: كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ وَكَذَّبُوا بِهِ لَكَانَ الْمَفْهُومُ هُوَ، دُونَ اسْمِهِ.

[[سورة الرعد (١٣) : آية ٣١]]

وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٣١)

[فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى] اعْلَمْ أَنَّهُ

رُوِيَ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ قَعَدُوا فِي فِنَاءِ مَكَّةَ، فَأَتَاهُمُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَرَضَ الْإِسْلَامَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيُّ: سَيِّرْ لَنَا جِبَالَ مَكَّةَ حَتَّى يَنْفَسِحَ الْمَكَانُ عَلَيْنَا وَاجْعَلْ لَنَا/ فِيهَا أَنْهَارًا نَزْرَعُ فِيهَا، أَوْ أَحْيِ لَنَا بَعْضَ أَمْوَاتِنَا لِنَسْأَلَهُمْ أَحَقٌّ مَا تَقُولُ أَوْ بَاطِلٌ، فَقَدْ كَانَ عِيسَى يُحْيِي الْمَوْتَى، أَوْ سَخِّرْ لَنَا الرِّيحَ حَتَّى نَرْكَبَهَا وَنَسِيرَ فِي الْبِلَادِ فَقَدْ كَانَتِ الرِّيحُ مُسَخَّرَةً لِسُلَيْمَانَ فَلَسْتَ بِأَهْوَنَ عَلَى رَبِّكَ مِنْ سُلَيْمَانَ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ

أَيْ مِنْ أَمَاكِنِهَا أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَيْ شُقِّقَتْ فَجُعِلَتْ أَنْهَارًا وَعُيُونًا أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى لَكَانَ هُوَ هَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْكَ. وَحُذِفَ جَوَابُ «لَوْ» لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا، وقال الزجاج: المحذوف هو أنه لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ وَكَذَا وَكَذَا لَمَا آمَنُوا بِهِ كَقَوْلِهِ: وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى [الْأَنْعَامِ: ١١١] .

ثم قال تَعَالَى: بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً يَعْنِي إِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَحَكَّمَ عَلَيْهِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ.

ثم قال تَعَالَى: أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

المسألة الْأُولَى: فِي قَوْلِهِ: أَفَلَمْ يَيْأَسِ قَوْلَانِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَفَلَمْ يَعْلَمُوا وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

الوجه الْأَوَّلُ: يَيْأَسِ يَعْلَمُ فِي لُغَةِ النَّخَعِ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ مِثْلِ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ.

وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:

أَلَمْ يَيْأَسِ الْأَقْوَامُ أَنِّي أَنَا ابْنُهُ ... وَإِنْ كُنْتَ عَنْ أَرْضِ الْعَشِيرَةِ نَائِيًا

وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ:

أَقُولُ لَهُمْ بِالشِّعْبِ إِذْ يَأْسِرُونَنِي ... أَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّي ابْنُ فَارِسِ زَهْدَمِ

أَيْ أَلَمْ تَعْلَمُوا. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: مَا وَجَدَتِ الْعَرَبَ تَقُولُ يَئِسْتُ بِمَعْنَى عَلِمْتُ الْبَتَّةَ.

وَالوجه الثَّانِي: مَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا وَابْنَ عَبَّاسٍ كَانَا يَقْرَآنِ: أَفَلَمْ يَأْسَ الَّذِينَ آمَنُوا فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ أَفَلَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>