للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَلْتَزِمُهُ الْإِنْسَانُ بِاخْتِيَارِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُبَايَعَةُ عَلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ عَهْدُ الْجِهَادِ، وَعَهْدُ الْوَفَاءِ بِالْمُلْتَزَمَاتِ مِنَ الْمَنْذُورَاتِ، وَالْأَشْيَاءِ الَّتِي أَكَّدَهَا بِالْحَلِفِ وَالْيَمِينِ، وَفِي قَوْلِهِ: وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها مَبَاحِثُ:

البحث الْأَوَّلُ: قَالَ الزَّجَّاجُ: يُقَالُ وَكَّدْتُ وَأَكَّدْتُ لُغَتَانِ جَيِّدَتَانِ، وَالْأَصْلُ الْوَاوُ، وَالْهَمْزَةُ بَدَلٌ مِنْهَا.

البحث الثَّانِي: قَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَمِينُ اللَّغْوِ هِيَ يَمِينُ الْغَمُوسِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها فَنَهَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ نَقْضِ الْأَيْمَانِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ يَمِينٍ قَابِلًا لِلْبِرِّ وَالْحِنْثِ، وَيَمِينُ الْغَمُوسِ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلْبِرِّ وَالْحِنْثِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَكُونَ مِنَ الْأَيْمَانِ. وَاحْتَجَّ الْوَاحِدِيُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ يَمِينَ اللَّغْوِ هِيَ قَوْلُ الْعَرَبِ لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ. قَالَ إِنَّمَا قَالَ تَعَالَى: بَعْدَ تَوْكِيدِها لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْأَيْمَانِ الْمُؤَكَّدَةِ بِالْعَزْمِ وَبِالْعَقْدِ وَبَيْنَ لَغْوِ الْيَمِينِ.

البحث الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها عَامٌّ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ، لِأَنَّا بَيَّنَّا/ أَنَّ الْخَبَرَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَتَى كَانَ الصَّلَاحُ فِي نَقْضِ الْأَيْمَانِ جَازَ نَقْضُهَا.

ثم قال: وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا هَذِهِ وَاوُ الْحَالِ، أَيْ لَا تَنْقُضُوهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ كَفِيلًا عَلَيْكُمْ بِالْوَفَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ تَعَالَى فَكَأَنَّهُ قَدْ جَعَلَ اللَّهَ كَفِيلًا بِالْوَفَاءِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْحَلِفِ.

ثم قال: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وَفِيهِ تَرْغِيبٌ وَتَرْهِيبٌ، وَالْمُرَادُ فَيُجَازِيكُمْ عَلَى مَا تَفْعَلُونَ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ. ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَكَّدَ وُجُوبَ الْوَفَاءِ، وَتَحْرِيمَ النَّقْضِ وَقَالَ: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً وَفِيهِ مَسَائِلُ:

المسألة الْأُولَى: فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ قَوْلَانِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهَا امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهَا رَايِطَةُ، وَقِيلَ رَيْطَةُ، وَقِيلَ تُلَقَّبُ جَعْرَاءَ وَكَانَتْ حَمْقَاءَ تَغْزِلُ الْغَزْلَ هِيَ وَجَوَارِيهَا فَإِذَا غَزَلَتْ وَأَبْرَمَتْ أَمَرَتْهُنَّ فَنَقَضْنَ مَا غَزَلْنَ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَثَلِ الْوَصْفُ دُونَ التَّعْيِينِ، لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْأَمْثَالِ صَرْفُ الْمُكَلَّفِ عَنْهُ إِذَا كَانَ قَبِيحًا، وَالدُّعَاءُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ حَسَنًا، وَذَلِكَ يَتِمُّ بِهِ مِنْ دُونِ التَّعْيِينِ.

المسألة الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أي من به قُوَّةِ الْغَزْلِ بِإِبْرَامِهَا وَفَتْلِهَا.

المسألة الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: أَنْكاثاً قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَاحِدُهَا: نِكْثٌ وَهُوَ الْغَزْلُ مِنَ الصُّوفِ وَالشَّعْرِ يُبْرَمُ وَيُنْسَجُ فَإِذَا أَحْكَمَتِ النَّسِيجَةَ قَطَعَتْهَا وَنَكَثَتْ خُيُوطَهَا الْمُبْرَمَةَ وَنَفَشَتْ تِلْكَ الْخُيُوطَ وَخَلَطَتْ بِالصُّوفِ ثُمَّ غَزَلَتْ ثَانِيَةً، وَالنَّكْثُ الْمَصْدَرُ، وَمِنْهُ يُقَالُ نَكَثَ فُلَانٌ عَهْدَهُ إِذَا نَقَضَهُ بَعْدَ إِحْكَامِهِ كَمَا يُنْكَثُ خَيْطُ الصُّوفِ بَعْدَ إِبْرَامِهِ.

المسألة الرَّابِعَةُ: فِي انْتِصَابِ قَوْلِهِ: أَنْكاثاً وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: قَالَ الزَّجَّاجُ: أَنْكَاثًا مَنْصُوبٌ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ لِأَنَّ مَعْنَى نَكَثَتْ نَقَضَتْ وَمَعْنَى نَقَضَتْ نَكَثَتْ، وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ، لِأَنَّ الْأَنْكَاثَ جَمْعُ نِكْثٍ وَهُوَ اسْمٌ لَا مَصْدَرٌ فَكَيْفَ يَكُونُ قَوْلُهُ: أَنْكاثاً بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ؟ الثَّانِي: قَالَ الْوَاحِدِيُّ: أَنْكَاثًا مَفْعُولٌ ثَانٍ كَمَا تَقُولُ كسره

<<  <  ج: ص:  >  >>