للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: «يَبْعَثُهُ اللَّهُ أُمَّةً وَحْدَهُ» .

الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ أُمَّةٌ فُعْلَةً بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَالرُّحْلَةِ وَالْبُغْيَةِ، فَالْأُمَّةُ هُوَ الَّذِي يُؤْتَمُّ بِهِ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً [الْبَقَرَةِ: ١٢٤] . الرَّابِعُ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ السَّبَبُ الَّذِي لِأَجْلِهِ جُعِلَتْ أُمَّتُهُ مُمْتَازِينَ عَمَّنْ سِوَاهُمْ بِالتَّوْحِيدِ وَالدِّينِ الْحَقِّ، وَلَمَّا جَرَى مَجْرَى السَّبَبِ لِحُصُولِ تِلْكَ الْأُمَّةِ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْأُمَّةِ إِطْلَاقًا/ لِاسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ، وَعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ لَمْ تَبْقَ أَرْضٌ إِلَّا وَفِيهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِمْ عَنْ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا زَمَنَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ كَانَ وَحْدَهُ.

الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: كَوْنُهُ قَانِتًا لِلَّهِ، وَالْقَانِتُ هُوَ الْقَائِمُ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:

مَعْنَاهُ كَوْنُهُ مُطِيعًا لِلَّهِ.

الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: كَوْنُهُ حَنِيفًا وَالْحَنِيفُ الْمَائِلُ إِلَى مِلَّةِ الْإِسْلَامِ مَيْلًا لَا يَزُولُ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنِ اخْتَتَنَ وَأَقَامَ مَنَاسِكَ الْحَجِّ وَضَحَّى، وَهَذِهِ صِفَةُ الْحَنِيفِيَّةِ.

الصِّفَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ وَالَّذِي يُقَرِّرُ كَوْنَهُ كَذِلَكَ أَنَّ أَكْثَرَ هِمَّتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ فِي تَقْرِيرِ عِلْمِ الْأُصُولِ فَذَكَرَ دَلِيلَ إِثْبَاتِ الصَّانِعِ مَعَ مَلِكِ زَمَانِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [الْبَقَرَةِ: ٢٥٨] ثُمَّ أَبْطَلَ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ وَالْكَوَاكِبِ بِقَوْلِهِ: لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ [الْأَنْعَامِ: ٧٦] ثُمَّ كَسَرَ تِلْكَ الْأَصْنَامَ حَتَّى آلَ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ أَلْقَوْهُ فِي النَّارِ، ثُمَّ طَلَبَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يريد كَيْفِيَّةَ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى لِيَحْصُلَ لَهُ مَزِيدُ الطُّمَأْنِينَةِ، وَمَنْ وَقَفَ عَلَى عِلْمِ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ غَارِقًا فِي بَحْرِ التَّوْحِيدِ.

الصِّفَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ، شاكِراً لِأَنْعُمِهِ

رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ لَا يَتَغَدَّى إِلَّا مَعَ ضَيْفٍ فَلَمْ يَجِدْ ذَاتَ يَوْمٍ ضَيْفًا فَأَخَّرَ غَدَاءَهُ فَإِذَا هُوَ بِقَوْمٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِي صُورَةِ الْبَشَرِ فَدَعَاهُمْ إِلَى الطَّعَامِ فَأَظْهَرُوا أَنَّ بِهِمْ عِلَّةَ الْجُذَامِ فَقَالَ: الْآنَ يَجِبُ عَلَيَّ مُؤَاكَلَتُكُمْ فَلَوْلَا عِزَّتُكُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَمَا ابْتَلَاكُمْ بِهَذَا الْبَلَاءِ.

فَإِنْ قِيلَ: لَفْظُ الْأَنْعُمِ جَمْعُ قِلَّةٍ، وَنِعَمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَتْ كَثِيرَةً. فَلِمَ قَالَ: شاكِراً لِأَنْعُمِهِ.

قُلْنَا: الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ شَاكِرًا لِجَمِيعِ نِعَمِ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ قَلِيلَةً فَكَيْفَ الْكَثِيرَةُ.

الصِّفَةُ السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ: اجْتَباهُ أَيِ اصْطَفَاهُ لِلنُّبُوَّةِ. وَالِاجْتِبَاءُ هُوَ أَنْ تَأْخُذَ الشَّيْءَ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنْ جَبَيْتُ، وَأَصْلُهُ جَمْعُ الْمَاءِ فِي الْحَوْضِ وَالْجَابِيَةُ هِيَ الْحَوْضُ.

الصِّفَةُ السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أَيْ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ وَالتَّرْغِيبِ فِي الدِّينِ الْحَقِّ وَالتَّنْفِيرِ عَنِ الدِّينِ الْبَاطِلِ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنَّ هَذَا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ [الْأَنْعَامِ: ١٥٣] .

الصِّفَةُ الثَّامِنَةُ: قَوْلُهُ: وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ اللَّهَ حَبَّبَهُ إِلَى كُلِّ الْخَلْقِ فَكُلُّ أَهْلِ الْأَدْيَانِ يُقِرُّونَ بِهِ، أَمَّا الْمُسْلِمُونَ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا كُفَّارُ قُرَيْشٍ وَسَائِرُ الْعَرَبِ فَلَا فَخْرَ لَهُمْ إِلَّا بِهِ، وَتَحْقِيقُ الْكَلَامِ أَنَّ اللَّهَ أَجَابَ دُعَاءَهُ فِي قَوْلِهِ: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ/ فِي الْآخِرِينَ [الشُّعَرَاءِ: ٨٤] وَقَالَ آخَرُونَ:

هُوَ قَوْلُ الْمُصَلِّي مِنَّا كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَقِيلَ الصِّدْقُ، وَالْوَفَاءُ وَالْعِبَادَةُ.

الصِّفَةُ التَّاسِعَةُ: قَوْلُهُ: وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>