للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ

سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السَّرِيِّ فَقَالَ: هُوَ الْجَدْوَلُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: فَكُلِي وَاشْرَبِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ نَهْرٌ حَتَّى يَنْضَافَ الْمَاءُ إِلَى الرُّطَبِ فَتَأْكُلَ وَتَشْرَبَ وَاحْتَجَّ مَنْ حَمَلَهُ [عَلَى] عِيسَى بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ النَّهْرَ لَا يَكُونُ تَحْتَهَا بَلْ إِلَى جَانِبِهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّهُ جَعَلَ النَّهْرَ تَحْتَ أَمْرِهَا يَجْرِي بِأَمْرِهَا وَيَقِفُ بِأَمْرِهَا كَمَا فِي قَوْلُهُ: وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزُّخْرُفِ: ٥١] لِأَنَّ هَذَا حَمْلٌ لِلَّفْظِ عَلَى مَجَازِهِ وَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذَا الْمَجَازِ. الثَّانِي: أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ [الْمُؤْمِنُونَ: ٥٠] وَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَكَانَ الْمُسْتَوِيَ إِذَا كَانَ فِيهِ مَبْدَأٌ مُعَيَّنٌ فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْهُ كَانَ فَوْقَ وَكُلُّ مَنْ كَانَ أَبْعَدَ مِنْهُ كَانَ تَحْتَ فَرْعَانِ:

الْأَوَّلُ: إِنْ حَمَلْنَا السَّرِيَّ عَلَى النَّهْرِ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ضَرَبَ بِرِجْلِهِ فَظَهَرَ مَاءٌ عَذْبٌ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ مَاءٌ جَارٍ. وَالْأَوَّلُ: أَقْرَبُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا مُشْعِرٌ بِالْحُدُوثِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهَا وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَاهُ. الثَّانِي: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ السَّرِيَّ هُوَ النَّهْرُ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَالْفَرَّاءِ أَوِ النَّهْرُ الصَّغِيرُ عَلَى مَا هُوَ قَوْلُ الْأَخْفَشِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ الْقَفَّالُ: الْجِذْعُ مِنَ النَّخْلَةِ هُوَ الْأَسْفَلُ وَمَا دُونُ الرَّأْسِ الَّذِي عَلَيْهِ الثَّمَرَةُ وَقَالَ قُطْرُبٌ:

كُلُّ خَشَبَةٍ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ فَهِيَ جِذْعٌ وَأَمَّا الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ فَزَائِدَةٌ وَالْمَعْنَى هُزِّي إِلَيْكِ أَيْ حَرِّكِي جِذْعَ النَّخْلَةِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ تَقُولُ هَزَّهُ وَهَزَّ بِهِ وَخُذِ الْخِطَامَ وَخُذْ بِالْخِطَامِ وَزَوَّجْتُكَ فُلَانَةً وَبِفُلَانَةٍ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَى هُزِّي إِلَيْكِ رُطَبًا بِجِذْعِ النَّخْلَةِ أَيْ عَلَى جِذْعِهَا، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَقْتَ كَانَ شِتَاءً وَأَنَّ النَّخْلَةَ كَانَتْ يَابِسَةً، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ أَثْمَرَ الرُّطَبَ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ أَوْ تَغَيَّرَ، وَهَلْ أَثْمَرَ مَعَ الرُّطَبِ غَيْرَهُ؟ وَالظَّاهِرُ/ يَقْتَضِي أَنَّهُ صَارَ نَخْلَةً لِقَوْلِهِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ وَأَنَّهُ مَا أَثْمَرَ إِلَّا الرُّطَبَ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ: تُسَاقِطْ فِيهِ تِسْعُ قِرَاءَاتٍ تَسَّاقَطْ بِإِدْغَامِ التَّاءِ وَتَتَسَاقَطْ بِإِظْهَارِ التَّاءَيْنِ وَتَسَاقَطْ بِطَرْحِ الثَّانِيَةِ وَيَسَّاقَطْ بِالْيَاءِ وَإِدْغَامِ التَّاءِ وَتَسَاقَطْ وَتَسْقُطْ وَيَسْقُطْ وَتُسْقِطْ وَيُسْقِطْ التَّاءُ لِلنَّخْلَةِ وَالْيَاءُ لِلْجِذْعِ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: رُطَبًا تَمْيِيزٌ أَوْ مَفْعُولٌ عَلَى حَسَبِ الْقِرَاءَةِ الْجَنِيُّ الْمَأْخُوذُ طَرِيًّا وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ جِنِيًّا بِكَسْرِ الْجِيمِ لِلْإِتْبَاعِ وَالْمَعْنَى جَمَعْنَا لَكِ فِي السَّرِيِّ وَالرُّطَبِ فَائِدَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ. وَالثَّانِيَةُ:

سَلْوَةُ الصَّدْرِ بِكَوْنِهِمَا مُعْجِزَتَيْنِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَتِلْكَ الْأَفْعَالُ الْخَارِقَةُ لِلْعَادَاتِ لِمَنْ؟ قُلْنَا: قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: إِنَّهَا كَانَتْ مُعْجِزَةً لِزَكَرِيَّا وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وهذا باطل لأن زكرياء عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا كَانَ لَهُ عِلْمٌ بِحَالِهَا وَمَكَانِهَا فَكَيْفَ بِتِلْكَ الْمُعْجِزَاتِ، بَلِ الْحَقُّ أَنَّهَا كَانَتْ كَرَامَاتٍ لِمَرْيَمَ أَوْ إِرْهَاصًا لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا قُرِئَ بِكَسْرِ الْقَافِ لُغَةَ نَجْدٍ وَنَقُولُ قَدَّمَ الْأَكْلَ عَلَى الشُّرْبِ لِأَنَّ احْتِيَاجَ النُّفَسَاءِ إِلَى أَكْلِ الرُّطَبِ أَشَدُّ مِنَ احْتِيَاجِهَا إِلَى شُرْبِ الْمَاءِ لِكَثْرَةِ مَا سَالَ مِنْهَا مِنَ الدِّمَاءِ، ثم قال: وقري عينا، وهاهنا سُؤَالٌ، وَهُوَ أَنَّ مَضَرَّةَ الْخَوْفِ أَشَدُّ مِنْ مَضَرَّةِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْخَوْفَ أَلَمُ الرُّوحِ وَالْجُوعَ أَلَمُ الْبَدَنِ وَأَلَمُ الرُّوحِ أَقْوَى مِنْ أَلَمِ الْبَدَنِ. وَالثَّانِي: مَا رُوِيَ أَنَّهُ أُجِيعَتْ شَاةٌ ثُمَّ قُدِّمَ الْعَلَفُ إِلَيْهَا وَرُبِطَ عِنْدَهَا ذِئْبٌ فَبَقِيَتِ الشَّاةُ مُدَّةً مَدِيدَةً لَا تَتَنَاوَلُ الْعَلَفَ مَعَ جُوعِهَا الشَّدِيدِ خَوْفًا مِنَ الذِّئْبِ ثُمَّ كُسِرَتْ رِجْلُهَا وَقُدِّمَ الْعَلَفُ إِلَيْهَا فَتَنَاوَلَتِ الْعَلَفَ مَعَ أَلَمِ البدن فدلت هَذِهِ الْحِكَايَةُ عَلَى أَنَّ أَلَمَ الْخَوْفِ أَشَدُّ من ألم

<<  <  ج: ص:  >  >>