للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ هَذَا الْخِطَابِ الْعَظِيمِ فَائِدَةٌ زَائِدَةٌ، أَمَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى صَلَاةٍ أُخْرَى لَحَصَلَتِ الْفَائِدَةُ الزَّائِدَةُ، قَوْلُهُ: لَعَلَّ اللَّه تَعَالَى بَيَّنَهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَإِنْ لَمْ يَحْكِهِ فِي الْقُرْآنِ قلنا لا نشك أَنَّ الْبَيَانَ أَكْثَرُ فَائِدَةً مِنَ الْمُجْمَلِ فَلَوْ كَانَ مَذْكُورًا لَكَانَ أَوْلَى بِالْحِكَايَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: فِي قَوْلِهِ: لِذِكْرِي وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: لِذِكْرِي يَعْنِي لِتَذْكُرَنِي فَإِنَّ ذِكْرِي أَنْ أُعْبَدَ وَيُصَلَّى لِي.

وَثَانِيهَا: لِتَذْكُرَنِي فِيهَا لِاشْتِمَالِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَذْكَارِ عَنْ مُجَاهِدٍ. وَثَالِثُهَا: لِأَنِّي ذَكَرْتُهَا فِي الْكُتُبِ وَأَمَرْتُ بِهَا.

وَرَابِعُهَا: لِأَنْ أَذْكُرَكَ بِالْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ وَأَجْعَلَ لَكَ لِسَانَ صِدْقٍ. وَخَامِسُهَا: لِذِكْرِي خَاصَّةً لَا تَشُوبُهُ بِذِكْرِ غَيْرِي.

وَسَادِسُهَا: لِإِخْلَاصِ ذِكْرِي وَطَلَبِ وَجْهِي لَا تُرَائِي بِهَا وَلَا تَقْصِدْ بِهَا غَرَضًا آخَرَ. وَسَابِعُهَا: لِتَكُونَ لِي ذَاكِرًا غَيْرَ نَاسٍ فِعْلَ الْمُخْلِصِينَ فِي جَعْلِهِمْ ذِكْرَ رَبِّهِمْ عَلَى بَالٍ مِنْهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [النُّورِ: ٣٧] / وَثَامِنُهَا: لِأَوْقَاتِ ذِكْرِي وَهِيَ مَوَاقِيتُ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً [النساء: ١٠٣] . وتاسعها: أَقِمِ الصَّلاةَ حِينَ تَذْكُرُهَا أَيْ أَنَّكَ إِذَا نَسِيتَ صَلَاةً فَاقْضِهَا إِذَا ذَكَرْتَهَا.

رَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ» ثُمَّ قَرَأَ: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي

قَالَ الْخَطَّابِيُّ يَحْتَمِلُ هَذَا الْحَدِيثُ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُهَا غَيْرُ قَضَائِهَا وَالْآخَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي نِسْيَانِهَا غَرَامَةٌ وَلَا كَفَّارَةٌ كَمَا تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ فِي تَرْكِ صَوْمِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَكَمَا يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ إِذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنْ نُسُكِهِ فِدْيَةٌ مِنْ إِطْعَامٍ أَوْ دَمٍ. وَإِنَّمَا يُصَلِّي مَا تَرَكَ فَقَطْ فَإِنْ قِيلَ حَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِهَا كَمَا

قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا»

قُلْنَا قَوْلُهُ: لِذِكْرِي مَعْنَاهُ لِلذِّكْرِ الْحَاصِلِ بِخَلْقِي أَوْ بِتَقْدِيرِ حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ لِذِكْرِ صَلَاتِي.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: لَوْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَهَا عَلَى تَرْتِيبِ الْأَدَاءِ فَلَوْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ فِي قَضَائِهَا جَازَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه وَلَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ فَرِيضَةٍ وَتَذَكَّرَ فَائِتَةً نَظَرَ إِنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ اسْتُحِبَّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْفَائِتَةِ وَلَوْ بَدَأَ بِصَلَاةِ الْوَقْتِ جَازَ وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ بِحَيْثُ لَوْ بَدَأَ بِالْفَائِتَةِ فَاتَ الْوَقْتُ يَجِبُ أَنْ يَبْدَأَ بِصَلَاةِ الْوَقْتِ حَتَّى لَا تَفُوتَ وَلَوْ تذكر الفائتة بعد ما شَرَعَ فِي صَلَاةِ الْوَقْتِ أَتَمَّهَا ثُمَّ قَضَى الْفَائِتَةَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ صَلَاةَ الْوَقْتِ بَعْدَهَا وَلَا يَجِبُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ مَا لَمْ تَزِدْ عَلَى صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَتَّى قَالَ: لَوْ تَذَكَّرَ فِي خِلَالِ صَلَاةِ الْوَقْتِ فَائِتَةً تَرَكَهَا الْيَوْمَ يَبْطُلُ فَرْضُ الْوَقْتِ فَيَقْضِي الْفَائِتَةَ ثُمَّ يُعِيدُ صَلَاةَ الْوَقْتِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا فَلَا تَبْطُلُ حُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه الْآيَةُ وَالْخَبَرُ وَالْأَثَرُ وَالْقِيَاسُ، أَمَّا الآية فقوله تعالى:

أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي أَيْ لِتَذَكُّرِهَا وَاللَّامُ بِمَعْنَى عِنْدَ كَقَوْلِهِ: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الْإِسْرَاءِ: ٧٨] أَيْ عِنْدَ دُلُوكِهَا فَمَعْنَى الْآيَةِ أَقِمِ الصَّلَاةَ الْمُتَذَكَّرَةَ عِنْدَ تَذَكُّرِهَا وَذَلِكَ يَقْتَضِي رِعَايَةَ التَّرْتِيبِ وَأَمَّا الْخَبَرُ

فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا»

وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ وَأَيْضًا

رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّه قَالَ: «جَاءَ عُمَرُ بن الخطاب رضي اللَّه عنهما إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّه مَا صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْعَصْرِ حَتَّى كَادَتْ تَغِيبُ الشَّمْسُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا واللَّه مَا صَلَّيْتُهَا بَعْدُ قال فنزل إلى البطحاء وصلى العصر بعد ما غَابَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ بَعْدَهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ مَذْكُورٌ فِي «الصَّحِيحَيْنِ»

قَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا:

أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»

فَلَمَّا صَلَّى الْفَوَائِتَ عَلَى الْوَلَاءِ وَجَبَ عَلَيْنَا ذَلِكَ. وَالثَّانِي: أَنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم إذ خَرَجَ مَخْرَجَ الْبَيَانِ لِلْمُجْمَلِ كَانَ حُجَّةً وَهَذَا الفعل خرج

<<  <  ج: ص:  >  >>