للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَغْلِبُهُ وَالْحَيَاءُ يَمْنَعُهُ عَنِ الْكَلَامِ فَيَسْأَلُونَهُ عَنِ الْأَمْرِ الَّذِي لَمْ يَغْلَطْ فِيهِ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ التَّوْحِيدُ، فَإِذَا ذَكَرَهُ زَالَتِ الدَّهْشَةُ وَالْوَحْشَةُ عَنْهُ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا عَرَّفَ مُوسَى كَمَالَ الْإِلَهِيَّةِ أَرَادَ أَنْ يُعَرِّفَهُ نُقْصَانَ الْبَشَرِيَّةِ، فَسَأَلَهُ عَنْ مَنَافِعِ الْعَصَا فَذَكَرَ بَعْضَهَا فَعَرَّفَهُ اللَّه تَعَالَى أَنَّ فِيهَا مَنَافِعَ أَعْظَمَ مِمَّا ذَكَرَ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْعُقُولَ قَاصِرَةٌ عَنْ مَعْرِفَةِ صِفَاتِ النَّبِيِّ الْحَاضِرِ فَلَوْلَا التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ كَيْفَ يُمْكِنُهُمُ الْوُصُولُ إِلَى مَعْرِفَةِ أَجَلِّ الْأَشْيَاءِ وَأَعْظَمِهَا. وَرَابِعُهَا:

فَائِدَةُ هَذَا السُّؤَالِ أَنْ يُقَرِّرَ عِنْدَهُ أَنَّهُ خَشَبَةٌ حَتَّى إِذَا قَلَبَهَا ثُعْبَانًا لَا يَخَافُهَا. السُّؤَالُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ/ يا مُوسى خِطَابٌ مِنَ اللَّه تَعَالَى مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُوسَى أَفْضَلَ مِنْ مُحَمَّدٍ. الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى كَمَا خَاطَبَ مُوسَى فَقَدْ خَاطَبَ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ: فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى

[النَّجْمِ: ١٠] إِلَّا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَفْشَاهُ اللَّه إِلَى الْخَلْقِ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ سِرًّا لَمْ يَسْتَأْهِلْ لَهُ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ. وَالثَّانِي:

إِنْ كَانَ مُوسَى تَكَلَّمَ مَعَهُ وَهُوَ [تَكَلَّمَ] مَعَ مُوسَى فَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَاطِبُونَ اللَّه فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّاتٍ عَلَى مَا

قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ»

وَالرَّبُّ يَتَكَلَّمُ مَعَ آحَادِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالتَّسْلِيمِ وَالتَّكْرِيمِ وَالتَّكْلِيمِ فِي قَوْلِهِ:

سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: ٥٨] . السُّؤَالُ الثَّالِثُ: مَا إِعْرَابُ قَوْلِهِ: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسى الْجَوَابُ، قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : (تِلْكَ بِيَمِينِكَ) كَقَوْلِهِ: وَهذا بَعْلِي شَيْخاً [هُودٍ: ٧٢] فِي انْتِصَابِ الْحَالِ بِمَعْنَى الْإِشَارَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تِلْكَ اسْمًا مَوْصُولًا وَصِلَتُهُ بِيَمِينِكَ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ وَمَا الَّتِي بِيَمِينِكَ، قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ مَا هَذِهِ الَّتِي فِي يَمِينِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا سَأَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ ذَلِكَ أَجَابَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ، ثَلَاثَةٌ عَلَى التَّفْصِيلِ وَوَاحِدٌ عَلَى الْإِجْمَالِ. الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: هِيَ عَصايَ قَرَأَ ابْنُ أَبِي إسحاق: (هي عصي) ومثلها: (يا بشرى) وقرأ الحسن (هي عصاي) بسكون الياء والنكث هاهنا ثَلَاثَةٌ. إِحْدَاهَا: أَنَّهُ قَالَ: هِيَ عَصايَ فَذَكَرَ الْعَصَا وَمَنْ كَانَ قَلْبُهُ مَشْغُولًا بِالْعَصَا وَمَنَافِعِهَا كَيْفَ يَكُونُ مُسْتَغْرِقًا فِي بَحْرِ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَلَكِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَ عَلَيْهِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى شَيْءٍ: مَا زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى [النَّجْمِ: ١٧] وَلَمَّا قِيلَ لَهُ امْدَحْنَا،

قَالَ: «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ»

ثُمَّ نَسِيَ نَفْسَهُ وَنَسِيَ ثَنَاءَهُ

فَقَالَ: «أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» .

وَثَانِيهَا: لَمَّا قَالَ: عَصايَ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: أَلْقِها، فَلَمَّا أَلْقَاهَا فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى لِيَعْرِفَ أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّه فَالِالْتِفَاتُ إِلَيْهِ شَاغِلٌ وَهُوَ كَالْحَيَّةِ الْمُهْلِكَةِ لَكَ. وَلِهَذَا قَالَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ [الشُّعَرَاءِ: ٧٧]

وَفِي الْحَدِيثِ: «يُجَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَاحِبِ الْمَالِ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ وَيُؤْتَى بِذَلِكَ الْمَالِ عَلَى صُورَةِ شُجَاعٍ أَقْرَعَ» الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ.

وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ قَالَ هِيَ عَصَايَ فَقَدْ تَمَّ الْجَوَابُ، إِلَّا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَكَرَ الْوُجُوهَ الْأُخَرَ لِأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْمُكَالَمَةَ مَعَ رَبِّهِ فَجَعَلَ ذَلِكَ كَالْوَسِيلَةِ إِلَى تَحْصِيلِ هذا الغرض.

الثاني: قوله: أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَالتَّوَكِّي، وَالِاتِّكَاءُ، وَاحِدٌ كَالتَّوَقِّي، وَالَاتِّقَاءِ مَعْنَاهُ أَعْتَمِدُ عَلَيْهَا إِذَا عَيِيتُ أَوْ وَقَفْتُ عَلَى رَأْسِ الْقَطِيعِ أَوْ عِنْدَ الطَّفْرَةِ فَجَعَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ نَفْسَهُ مُتَوَكِّئًا عَلَى الْعَصَا

وَقَالَ اللَّه تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أتكئ على رحمتي»

بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الْأَنْفَالِ: ٦٤] وَقَالَ: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [الْمَائِدَةِ: ٦٧] فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ قَوْلُهُ: وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَقْتَضِي كَوْنَ مُحَمَّدٍ يَتَوَكَّأُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ؟ قُلْنَا قوله: وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْكَافِ فِي قَوْلِهِ: حَسْبَكَ اللَّهُ وَالْمَعْنَى اللَّه حَسْبُكَ، وَحَسْبُ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي أَيْ أَخْبِطُ بِهَا فَأَضْرِبُ أَغْصَانَ الشَّجَرِ لِيَسْقُطَ وَرَقُهَا عَلَى غَنَمِي فَتَأْكُلُهُ. وَقَالَ أَهْلُ/ اللُّغَةِ: هش

<<  <  ج: ص:  >  >>