للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزِّيَادَةِ فِي الْجِسْمِ وَخَلْقُ الْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْأَعْضَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ وَابْتِلَاعُ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، ثُمَّ عَادَ عَصًا بَعْدَ ذَلِكَ.

فَقَدْ وَقَعَ التَّغَيُّرُ مَرَّةً أُخْرَى فِي كُلِّ هَذِهِ الْأُمُورِ فَكَانَتِ الْعَصَا أَعْظَمَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الْكُلِّ وَأَنَّهُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْيَدِ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا أَظْهَرَ لَهُ هَذِهِ الْآيَةَ عَقَّبَهَا بِأَنْ أَمَرَهُ بِالذَّهَابِ إِلَى فِرْعَوْنَ وَبَيَّنَ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ وَهِيَ أَنَّهُ طَغَى، وَإِنَّمَا خَصَّ فِرْعَوْنَ بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى الْكُلِّ لِأَنَّهُ ادَّعَى الْإِلَهِيَّةَ وَتَكَبَّرَ وَكَانَ مَتْبُوعًا فَكَانَ ذِكْرُهُ أَوْلَى.

قَالَ وَهْبٌ: قَالَ اللَّه تَعَالَى لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: «اسْمَعْ كَلَامِي وَاحْفَظْ وَصِيَّتِي وَانْطَلِقْ بِرِسَالَتِي فَإِنَّكَ بِعَيْنِي وَسَمْعِي وَإِنَّ مَعَكَ يَدِي وَبَصَرِي وَإِنِّي أَلْبَسْتُكَ جُنَّةً مِنْ سُلْطَانِي لِتَسْتَكْمِلَ بِهَا الْقُوَّةَ فِي أَمْرِي أَبْعَثُكَ إِلَى خَلْقٍ ضَعِيفٍ مِنْ خَلْقِي بَطَرَ نِعْمَتِي وَأَمِنَ مَكْرِي وَغَرَّتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى جَحَدَ حَقِّي وَأَنْكَرَ رُبُوبِيَّتِي، وَإِنِّي أُقْسِمُ بِعِزَّتِي لَوْلَا الْحُجَّةُ وَالْعُذْرُ الَّذِي وَضَعْتُ بَيْنِي وَبَيْنَ خَلْقِي لَبَطَشْتُ بِهِ بَطْشَةَ جَبَّارٍ وَلَكِنْ هَانَ عَلَيَّ وَسَقَطَ/ مِنْ عَيْنِي فَبَلِّغْهُ عَنِّي رِسَالَتِي وادعه إلى عبادتي وحذره نقمتي: وقل له قولا لينا لَا يَغْتَرَّنَّ بِلِبَاسِ الدُّنْيَا فَإِنَّ نَاصِيَتَهُ بِيَدِي، لَا يَطْرِفُ وَلَا يَتَنَفَّسُ إِلَّا بِعِلْمِي، فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ، قَالَ فَسَكَتَ مُوسَى سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَا يَتَكَلَّمُ ثُمَّ جَاءَهُ مَلَكٌ فَقَالَ أَجِبْ ربك فيما أمرك بعبده» .

[سورة طه (٢٠) : الآيات ٢٥ الى ٣٥]

قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩)

هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٤)

إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٥)

اعْلَمْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالذَّهَابِ إِلَى فِرْعَوْنَ وَكَانَ ذَلِكَ تَكْلِيفًا شَاقًّا فَلَا جَرَمَ سَأَلَ رَبَّهُ أُمُورًا ثَمَانِيَةً، ثُمَّ خَتَمَهَا بِمَا يَجْرِي مَجْرَى الْعِلَّةِ لِسُؤَالِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ.

الْمَطْلُوبُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُقَالُ شَرَحْتُ الْكَلَامَ أَيْ بَيَّنْتُهُ وَشَرَحْتُ صَدْرَهُ أَيْ وَسَّعْتُهُ وَالْأَوَّلُ يَقْرُبُ مِنْهُ لِأَنَّ شَرْحَ الْكَلَامِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِبَسْطِهِ. وَالسَّبَبُ فِي هَذَا السُّؤَالِ مَا حَكَى اللَّه تَعَالَى عَنْهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي [الشُّعَرَاءِ: ١٣] فَسَأَلَ اللَّه تَعَالَى أَنْ يُبَدِّلَ ذَلِكَ الضِّيقَ بِالسَّعَةِ، وَقَالَ: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي فَأَفْهَمُ عَنْكَ مَا أَنْزَلْتَ عَلَيَّ مِنَ الْوَحْيِ، وَقِيلَ: شَجِّعْنِي

<<  <  ج: ص:  >  >>